الوقت- عاد "أسطورة السياسة" كما يحلو للوزير سعود القحطاني تسميته، الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز إلى الواجهة الإعلامية عبر بوابة مركز الدراسات والشؤون الإعلامية بالديوان الملكي في الرياض يوم أمس "الثلاثاء"، تزامناً مع حزمة التغييرات التي أجراها الملك سلمان بن عبد العزيز قبل يومين في السياسة والعسكر والاقتصاد بناءً على طلب نجله الأمير محمد بن سلمان.
في الواقع كل التغييرات التي أجراها العاهل السعودي يمكن وضعها في خانة وتحليلها مجتمعة ضمن خطوط عريضة وأطر سياسية جديدة كان قد بدأها بن سلمان منذ حوالي سنة ونصف "أي منذ تنصيبه ولياً للعهد"، وعودة الأمير بندر يمكن وضعها في خانة أخرى لما يحمله هذا الرجل من تاريخ سياسي ودبلوماسي وحنكة غير معهودة لدى المملكة، لذلك قد تحمل عودة الرجل وجهين، الأول: إيجابي في حال تمكن بن سلمان من إدارة بن سلطان ومنعه من القيام بمشاكسات ومغامرات غير مضمونة النتائج خاصة أن الأول يشتهر بها وبالتالي فإن إضافة مغامرات جديدة للسعودية في وضعها الحالي الضبابي الأفق قد يكلفها الكثير، والثاني: في حال لم يتمكن بن سلمان من السيطرة على الأمير بندر وهذا ليس مستبعداً، خاصة أن الأخير لديه علاقات غير محدودة مع كبار الساسة والشخصيات المهمة في العالم ويمكننا أن نقول اصطلاحاً "يعرف من أين تؤكل الكتف"، لذلك قد تسبب عودته شرخاً جديداً داخل العائلة الحاكمة وهذا أمر مقلق لـ"بن سلمان" خاصة أنه لم يستلم العرش بعد.
وقد يكون هناك احتمالات أخرى سنذكرها:
أولاً: عودة بن سلطان يمكن أن تعني أن المملكة تريد القيام بحدث جديد، ولطالما رافق عودة الرجل في المرات السابقة أحداث جديدة قامت بها المملكة، بندر بن سلطان المشاكس يعرف واشنطن جيداً وغرفها السرية، ولم يكن بعيداً أبداً عن التغيرات التي شهدتها المنطقة منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى الآن، خاصة أنه كان سفير بلاده في واشنطن لأكثر من عشرين عام "1983- 2005" وهناك بنى علاقات جيدة جداً مع المسؤولين ولاسيما عائلة "بوش" لدرجة صار يطلق عليه "بندر بوش".
في واشنطن حاك بندر مع الأمريكيين خططاً للمنطقة برمتها، ابتداءً من دعم تنظيم القاعدة والمساهمة في تشكيله في أفغانستان في أواخر سبعينات القرن الماضي، مروراً بتشكيل "فتح الإسلام" مع كل من نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشيني" ومعاونه "أليوت ابرامز" وكانت الغاية حينها مواجهة إيران وتحجيم دورها في المنطقة.
بعد عودة بندر بن سلطان من الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2005، شغل منصب الأمين العام لمجلس الأمن الوطني السعودي بأمر ملكي من الملك عبدالله بن عبد العزيز، ليختفي عن الساحة الإعلامية والسياسية بعد ذلك بثلاث سنوات، ليعود مجدداً في العام 2012 للتعامل مع الملف السوري، وفي ذلك الوقت تم تعيينه رئيساً للاستخبارات العامة.
في سوريا كان بن سلطان يبحث عن تأجيج الأوضاع من خلال تحريض المعارضة وتسليحها ودفعها لمواجهة الحكومة السورية، وكان له دور تخريبي كبير في سوريا، لدرجة أن واشنطن اعترضت على السياسة التي يتبعها في سوريا، وكان باراك أوباما هو الرئيس الأمريكي حينها، وكان لدى إدراة أوباما قناعة بأن بندر يدير الملف خلافاً لسياستها بتواطؤ واتفاق مع جماعات المحافظين الجدد في واشنطن الذين يسعون لإفشال سياسة أوباما في كل ما يتعلق بسوريا وإيران وحتى روسيا في آسيا الوسطى وفي الشرق الأوسط.
السعودية شعرت بالخطر جراء سياسة الأمير بندر في سوريا وأثّر ذلك على العلاقة مع أمريكا، لذلك أعفته من منصبه في العام 2014، ليغيب بعدها ويظهر اليوم من جديد، دون معرفة السبب الحقيقي لعودته حتى الآن وما هي المهمة التي سيتولاها هذه المرة، ولا نعرف إذا كان بن سلمان سيحارب بحربة "بندر" بعد أن التوت حربته في اليمن ودول أخرى.
ثانياً: تعزيز حكم "السديريين" بعد غياب أكثر من عشر سنوات عن آخر حكم لهم، و"السديريون" هو مسمى يطلق على سبعة من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود من زوجته الأميرة حصة بنت أحمد السديري، التي تنتمي إلى هذه القبيلة، وبن سلطان ينتمي إلى هذا النسب من جهة والده لكنه في الوقت نفسه ابن خادمة لذلك تنقصه أصالة النسب ليصبح ملكاً، وهذا قد يطمئن بن سلمان إلى حد ما، لكنه متزوج من أميرة من سلالة "الفيصل" وتربطه بواشنطن علاقات متينة من أيام الرئيس كارتر، حيث تمكن بندر بالتعاون مع كارتر من تأمين صفقة بيع طائرات F15 للمملكة، ومن هنا انطلق نجم بن سلطان، ليحصل بعدها على موافقة الكونغرس على معاهدة قناة بنما ويصبح سفيراً لبلاده في واشنطن.
لكن ومع كل ما تقدم لا نعتقد بأن بندر لديه القدرة السابقة، فمحمد بن سلمان كسر شوكة الأمراء السعوديين، وتحديداً لدى فريقه الحاكم، لذلك نتصور بأن بن سلمان في حال كان ذكياً قد يستغل خبرة الرجل وحنكته في السياسة "الأمر الذي يفقده بن سلمان" لتمرير مخططاته التي وصلت إلى حائط مسدود في بعض الأماكن، لكن لا ننكر أنه وفي الوقت نفسه ينظر بن سلمان إلى بندر بعين "القلق" التي قد يرافقها انقلاب داخل الحكم.