الوقت- أهداف مستقبلية برّاقة يرسمها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتطلعات طموحة في رؤية 2030، هدفها الأصلي نقل المملكة من اقتصاد يعتمد بأغلبيته على عائدات النفط، إلى تنوع الموارد وتقليص هذا الاعتماد. وكما بات معلوماً، فقد لجأ بن سلمان إلى الخطوات المبنية على تكنولوجيا الاتصالات والمعلوماتية، لكن بسبب الموانع السياسية والاجتماعية والثقافية التي تعترضه، يبقى هذا الطريق وعراً لدرجة أن الخوف من الفشل وانهيار النظام الحاكم في المملكة العربية السعودية يبقى مطروحاً دائماً.
لم تكتف المملكة بتصدير النفط بل تعمل على رفع طاقتها الإنتاجية في مجال البتروكيماويات، وباتت مصدّرة للبنزين في العام 2016 بمعدل 5000 برميل يومياً، وتطورت في العام الماضي لتصل إلى الخمسين ألف برميل، وفي مجال الديزل أيضاً وصل معدل صادراتها في العام 2017 إلى 500 ألف برميل، كما ستفتتح مصفاة جازان في العام الحالي، التي ستزيد معدل الإنتاج 400 ألف برميل يومياً.
مشاريع كثيرة وكثيرة تعمل السعودية بقيادة بن سلمان على إنجاحها في شتى المجالات، وتعمل على إيجاد بديل عن الطاقة النفطية، حيث تسعى مع حلول العام 2030 إلى أن يصل إنتاجها من الطاقة المتجددة إلى أكثر من 40 غيغا واط ما يشكل 30% من حاجتها في ذلك العام. كما سيتم بناء 16 محطة طاقة نووية تبلغ ميزانيتها المتوقعة نحو 80 مليار دولار، تسعى إلى تأمينها عبر خصخصة 5٪ من أسهم الشركة النفطية الوطنية، أرامكو. في ظل كلام عن توهّم سعودي حول ما تساويه أسهم الشركة، فـ"وود ماكنزي" على سبيل المثال، وهو المعروف في هذا المجال، قال إن أرامكو تساوي 400 مليار، في وقت ترى السعودية أن قيمتها تساوي خمس أضعاف هذا المبلغ.
على الرغم من الخطط الطموحة والتدابير الاقتصادية الرامية إلى تقليل الاعتماد على عائدات النفط، وفقاً لخطة عام 2030، فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يواجه العديد من المشكلات الداخلية والخارجية. وقد تابع العديد من المراقبين ما أسماه "برنامج مكافحة الفساد" واعتقاله عدداً من الأمراء، وبات واضحاً لدى الجميع أن الأهداف المعلنة كانت غير المبطّنة، ففضلاً عن توطيد السلطة السياسية وإلغاء المنافسين، حصّل كثيراً من المنافع المالية من الأمراء المعتقلين.
ومن التحديات التي تقف في وجه التقدم في مشاريع بن سلمان، النظام التشريعي غير المتطور والبيروقراطية البطيئة وضعف إنتاجية العمالة، ما يشكل عاملاً رادعاً للمستثمر الأجنبي كما يمكن أن تؤدي إلى إحباط المشاريع كما حصل سابقاً في بعض الخطط الاقتصادية، بالإضافة لتسبب الركود الناجم عن انخفاض أسعار النفط والسياسات التقشفية في خفض نمو القطاع الخاص ليقترب من الصفر.
كما يتخوف بعض رجال الدين في السرّ أو العلن من أن المبادرات الجريئة لمحمد بن سلمان في مجالات الترفيه والسياحة تنذر بتغييرات في التعليم الذي يعدّ معقلاً للتفكير المحافظ.
وفي مجال السياسة الخارجية، بعد أن كانت السعودية الأم الحاضنة للدول الخليجية، فعلت ما فعلته بقطر، فزعزعت العلاقات داخل مجلس التعاون وخسرت مكانتها. واستطاعت قطر رغم الحصار أن تصمد وأثبتت أنها قادرة على الاستمرار سياسياً واقتصادياً دون دعم المملكة.
وفي حرب اليمن، أو الفييتنام السعودي، كما يصفه كثيرون، خسرت السعودية الكثير، وخصوصاً أن المذابح التي تقوم بها يوميّاً، شوّهت صورة المملكة أمام الرأي العام، وباتت في موقف لا تحسد عليه.
وفي سوريا أيضاً، لا يخفى على أحد ما قدّمته المملكة من دعم للمجموعات الإرهابية بغية إسقاط نظام الرئيس الأسد، والحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة على حد زعمهم.
وفي وقت تحارب فيه إيران أمام العلن، تعمل على التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، ما وضع علامات استفهام عديدة، حيث بات الشباب العربي يسأل، منذ متى و"الخطر الإيراني" بات يشكّل تهديداً أكثر من كيان الاحتلال؟
كما أن خطوات ترامب في الفترة الأخيرة، وإعلانه القدس عاصمة للكيان الغاصب، أظهرت استياء الرأي العام، خصوصاً أن ترامب تلقى دعماً وافراً من المملكة. وأعلن بعد قراره أن السعودية والدول الخليجية تؤيّده الرأي بشأن ملف القدس.
يمكن القول إن عدم الرضا الداخلي والإقليمي عن الأداء السعودي يمكن أن يهدد المملكة باعتداءات إرهابية، حتى لو اشترت أحدث التجهيزات العسكرية من الولايات المتحدة، وعززت اتفاقاتها الأمنية معها.
وإذا فشل بن سلمان في توطيد دعائم سلطته، يمكن أن يؤدي ذلك إلى انهيار الحكم فيها، فبالإإضافة إلى الشعب الذي يعاني جزء منه من البطالة والفقر، هناك أمراء ومسؤولون تضرروا أيضاً من سياساته الأخيرة.
على الرغم من الشكوك الكثيرة، يبدو أن محمد بن سلمان يسير على طريق تطوير المملكة، ضمن رؤية 2030 وتبديلها إلى بلد يعتمد على إيرادات عديدة غير الطاقة النفطية، ويسعى من خلال خطوات كهذه إلى إيجاد فرص عمل للمواطنين السعوديين، ما يرضي جزءاً منهم.
لكن في الوقت نفسه، تبقى الظروف الاجتماعية والثقافية من جهة، والظروف السياسية والأمنية المحلية والإقليمية، من جهة أخرى، تخلق العديد من العقبات أمام النجاح وتصعّب عملية التنمية. فالأمن الداخلي والإقليمي والبيئة الملائمة للأعمال التجارية هي متطلبات كل برنامج إنمائي، ويبدو من الصعب جداً تحقيق تنمية في بيئة متوترة سياسياً، وللأسف إن سياسة المملكة العربية السعودية الداخلية والخارجية لا تتماشى مع أي من متطلبات التنمية التي تستند أساساً على تحالفات إقليمية وأجواء داخلية مناسبة للعمل.