الوقت- ربما يمكننا القول بأن شكل الصراع في منطقة الشرق الأوسط بدأ يتغير ويأخذ أبعادا جديدة دون أن يتغير العدو المسبب لكل هذه الأزمات لا شكلا ولا مضمونا، بل على العكس تماما زادت أطماعه ورغباته التوسعية التي لم تكن لتتوقف لولا ظهور حركات مقاومة وطنية في لبنان وفلسطين تمكنت إلى حد كبير من كبح جماح هذا العدو الصهيوني وحفظ ما تبقى من ماء الوجه في جوهر الصراع العربي_الاسرائيلي.
وبما أن الكيان الإسرائيلي يعلم بأنه مهدد على الدوام نظرا لعدم انتمائه إلى هذه المنطقة تاريخيا وثقافيا ويعلم اكثر أنه احتلال غاصب وغير مرحب به، لذلك نجده يلهث لتأمين مصادر تضمن له البقاء أطول مدة ممكنه، ويعمل على تحقيق ذلك من خلال التوسع المستمر داخل الأراضي الفلسطينية وبناء أكبر عدد ممكن من المستوطنات، وصولا للبحث عن مصادر للطاقة في المنطقة القريبة من أماكن نفوذه ولا يرى ضيرا من الاعتداء على المياه الإقليمية للبنان التي تحتوى على ثروة غازية كبيرة تكفي لإحداث نقلة نوعية في الاقتصاد اللبناني في حال تم استثمارها.
وحول هذا الموضوع تحدث يوم أمس الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصرالله، مهددا الكيان الإسرائيلي ومنصاته الغازية التي يبنيها بالقرب من مياه لبنان الإقليمية محاولا التمدد داخل هذه المياه، ومن هنا برزت المشكلة التي قد تقود إلى حرب قادمة لن تكون فيها مشاريع "إسرائيل" النفطية والغازية في مياه البحر المتوسط في مأمن من صواريخ حزب الله.
والنزاع اليوم بين لبنان و"إسرائيل" يتمحور بالتحديد حول غاز "بلوك 9" الذي طرحته لبنان للاستثمار، لكن الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها إسرائيل يعملان ليل نهار على منع لبنان من الاستثمار هناك، مستغلين التقاسم بين الأفرقاء داخل لبنان من جهة وضعف الدولة اللبنانية من جهة أخرى، لكن كلام السيد حسن نصرالله يوم أمس جاء داعما للدولة ومساندا لها، قائلا بما معناه بأن صواريخ حزب الله جاهزة لتعطيل العمل بمحطات الغاز الإسرائيلية في البحر المتوسط في حال اتخذ مجلس الدفاع الأعلى قرارا بذلك، مشيرا إلى أن المنطقة بأسرها "دخلت معركة النفط والغاز".
هذا الكلام يعتبر دعما مطلقا للدولة اللبنانية في أي مفاوضات مقبلة حول هذا الملف من جهة، وتهديدا صريحا لمنع الصهاينة من استخراج النفط والغاز من المياه الفلسطينية في حال استمرت واشنطن بمنع الشركات من التنقيب في المياه اللبنانية، ودافع السيد حسن عن الحقوق اللبنانية في البر والبحر والنفط والغاز ودعا نصرالله إلى توحيد الصفوف بين اللبنانيين في هذا الملف وأن لا تسمح الدولة اللبنانية للشيطان الامريكي باللعب بين اللبنانيين لتفريق موقفهم ، وقال نصر الله: "الثروة النفطية الموجودة في لبنان هي ملك كل اللبنانيين وهذا ملف يجب أن يفتح"، وأضاف: "الثروة النفطية في لبنان تضع البلد على طريق اقتصاد واعد ومن هنا يجب مقاربة هذا الملف الحسّاس". وأشار السيد حسن إلى أن القوة الوحيدة لدى اللبنانيين في معركة النفط والغاز هي المقاومة.
ويبقى السؤال المطروح حول إمكانية نشوب حرب "نفط وغاز" جديدة في المنطقة تنطلق شرارتها بين لبنان والكيان الإسرائيلي ولا أحد يعلم إلى أين تصل لأن الثروة النفطية والغازية في منطقة البحر المتوسط تشترك فيها عدة دول منها قبرص وتركيا واليونان ومصر وهذا ما سيجعل الأمور تتعقد أكثر فأكثر في حال لم يتم استثمار هذه الحقول والتي تحتوي على اكثر من 340 تريليون قدم مكعبة من الغاز، خلال 40 عام، الزمن الذي توقعه الخبراء لنفاذ هذه الثروة.
وتسعى "إسرائيل" اليوم للإسراع في استثمار أكبر قدر ممكن من الغاز بأقل الأضرار أملا منها بأن تتحول إلى مركز للتجارة ونقل الغاز، لكن هناك مجموعة من العراقيل التي ستمنع الصهاينة من تحقيق ذلك سنلخصها بالتالي:
أولاً: صحيح أن وزارة الأمن لحكومة الاحتلال الإسرائيلي أقرت رصد 500 مليون دولار، لشراء أسلحة ومنظومات دفاعية لحماية منصات استخراج الغاز الإسرائيلي من حقلي لفيتان وتمارا في حوض البحر المتوسط، إلا أن هذا الكلام مشكوك في فعاليته لكون "حزب الله" يمتلك صواريخ أرض - بحر التي استخدم عيّنة منها بنجاح في حرب تموز 2006، فضلا عن كونه تمكن من تدمير أهم بارجة للصهاينة في حرب تموز والتي كانت تحمل اسم "ساعر 5".
ثانياً: شركات الاستثمار الكبرى لا تغامر وتضع كميات ضخمة من الأموال في استثمار غير مضمون النتائج، خاصة أنها تعلم أن المنطقة هناك قد تشهد حربا في أي لحظة وحينها لن تكون هذه الاستثمارات آمنة، فضلا عن التعقيدات الاقتصادية الأخرى والمرشحة للتفاقم أكثر وأكثر.
ثالثاً: الكيان الإسرائيلي ماض في مشروع التنقيب عن الغاز في البلوك 9، بحسب تصريحات سابقة لوزير الأمن الإسرائيلي "ليبرمان"، أي أنه سيفعل ذلك في مناطق متنازع عليها وبالتالي سيكون هناك مشكلة كبيرة مع شركات التأمين في هذا الملف.
رابعاً: الكيان الإسرائيلي يرغب في ارسال الغاز إلى أوروبا وهذا يعني أنه سيضطر الى بناء انبوب في البحر بطول 2200 كلم، تبلغ كلفته 8 مليارات دولار، ويحتاج الى حماية من تهديد صواريخ "حزب الله" التي تستطيع ضربَ المنشآت الإسرائيلية النفطية على الساحل الفلسطيني.
ختاما؛ التهديد الذي وجهه الأمين العام لحزب الله إلى الإسرائيليين لا يمكن ألا يؤخذ على محمل الجد، وجميعنا يذكر كيف أجبر الإسرائيليين على على نقل خزانات الأمونيا من حيفا إلى الجنوب، بعد تهديد سابق له بأنها لن تكون بمأمن من صواريخ حزب الله، واليوم قد لا نستغرب أن يتم نقل منصات الغاز إلى أماكن أخرى، وبكل الأحوال في حال تم ذلك أم لا لن يتمكن الإسرائيلي من تحقيق مبتغاه لطالما هناك من يَعد وينفذ.