الوقت - "لبنان هو بلدي، ولكن بعد أعوام طويلة من الحرب لم تعد لدينا أي تعقيدات حول أي دولة أخرى، أشعر أنني في وطني في فرنسا وفي أمريكا وفي بريطانيا أيضا" بهذه الكلمات يعرف رجل الاعمال المتعدد الجنسيات إسكندر صفا عن نفسه وربما نسي أيضا أن يقول إنه يشعر في وطنه حتى في "إسرائيل".
"عميل" كلمة لا تزعج صفا واصلا الوصف غير موجود في قاموسه، فساندي "كما يسمي نفسه" عابر للحدود وتاجر أسلحة حتى مع الجن، والمهم في قاموسه التجاري بطبيعة الحال هو المال، وتمويل الجيش الإسرائيلي لا يشكل له أي حرج بل يعترف به، كما يعترف بتمويله للجيش السعودي في حربه على اليمن وكما يعترف بأنه وسيط السلاح لكل بقاع العالم.
من هو إسكندر صفا؟
اسكندر صفا الذي يوصف بأنه أهم متعهد للموساد الإسرائيلي، ولد قبل 64 سنة لعائلة ثرية في بلدة جدير في شمال لبنان، ثراء عائلته وفر له إمكانية دراسة الاقتصاد وإدارة الاعمال في أهم الجامعات الامريكية، عمل في السعودية في ريعان شبابه وأشرف على مشروع كبير وهو "بناء المطار العسكري في الرياض"، وتعلم الماجستير في مدرسة "إنساد" العليا في فرنسا، وبدأ يستثمر في الصفقات العقارية، وفي مرحلة لاحقة أقام مع شقيقه أكرم شركة سفن وكسب لنفسه خصوما ومنافسين. صفا، الذي يعرف نفسه بأنه "مواطن العالم الكبير"، استطاع الدخول الى عالم الاعمال على مستوى العالم كله، وعليه كان لابد له من كسب رضا المال اليهودي، وأسهل طريق لذلك هي تقديم فروض الطاعة وعروض التجارة للجيش الإسرائيلي، ومن امارة أبو ظبي التي تهيئ أرضية خصبة للتعامل مع تل ابيب بذريعة التجارة، ادار صفا أجزاء كبيرة من نشاطاته السرية، وادار شبكة علاقات ضخمة مع المسؤولين الأمريكيين والاماراتيين والسعوديين بالإضافة طبعا الى الحليف الأهم "إسرائيل".
صفا و"إسرائيل" علاقات تجارية قديمة
كان لرجل الاعمال الفرنسي الشهير جان شارل مارشياني صاحب النفوذ الكبير ضمن الإليزيه دور مهم في توطيد علاقات صفا مع الحكومة الفرنسية والحكومة الامريكية على حد سواء واستطاع من خلاله الولوج الى أي مكان يشكل سوقاً محتملا للسلاح الفرنسي والامريكي وما أكثرها، فمن افريقيا الى اقصى اسيا تمكن صفا من اكتساب شهرة عالمية واسعة، وشكلت صفقة توريد الطائرات المقاتلة من طراز إف-5 وإف-20 من شركة الصناعات العسكرية الأمريكية الشهيرة "نورثروب"، الى كوريا الجنوبية، المحطة الأبرز في حياته التي شكلت مرحلة الانعطافة الكبيرة في تاريخه المهني، واصبح تاجر الأشهر على مستوى العالم. التعامل مع جيش الاحتلال كان نقطة الارتكاز والانطلاقة لصفا، حيث بدأ أول اتصال له والجيش الإسرائيلي عام 1989 عندما طلب الموساد من صحفي فرنسي يدعى "روجيه أوك" كان مختطفا في لبنان وتحرر بوساطة اسكندر صفا أن يتعرف على "ساندي المنقذ" وفعلا تواصل الطرفان على أمل من تل أبيب في الحصول على أي معلومة عن طيارها الأسير في لبنان رون أراد. اسم إسكندر صفا أيضا برز كمصنع لاحدى أهم السفن الحربية التي يمتلكها جيش الاحتلال الإسرائيلي، اذ كشفت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية أنَّ حوض السفن الذي يبني لسلاح البحرية الإسرائيلية سفنًا من طراز "ساعر 6" تعود ملكيته إلى شركة من أبو ظبي في الإمارات، يديرها صفا ويملك أكثر من 30% من أسهمها، ووفقا للصحيفة، فإن أربع سفن صواريخ، من طراز "ساعر 6" والتي اشترتها السلطات الإسرائيلية ضمن صفقة أبرمت العام 2015، لحماية حقول الغاز بالبحر المتوسط، يجري إنتاج قسم منها في حوض بناء سفن تملكه شركة "أبو ظبي مار" التي يديرها رجل الأعمال اللبناني إسكندر صفا.
بين أبو ظبي والرياض وباريس وتل أبيب ينتقل صفا بدون حدود فلا ابواب موصودة أمامه ومرحب به اينما حل، فأفضال الرجل ليس لها حدود، و"خيره" لا يقتصر على جيش الاحتلال وحده ولا حتى على امارة أبو ظبي بل للسعودية أيضا نصيب منها، اذ لا يقتصر نشاط ساندي التجاري على جيش الاحتلال فقط بل لطالما لعب الأخير دورا مهما في صفقات الأسلحة الفرنسية السعودية، ومن خلال شبكة علاقاته القديمة في الرياض استطاع صفا تسهيل حصول عملاق صناعة الأسلحة الفرنسي "سوفريمي" على صفقة "ميكسا" الشهيرة، وهي صفقة قدرت قيمتها آنذاك بملياري دولار لتوريد أنظمة تأمين الحدود لوزارة الداخلية السعودية، وبعد سنوات وتحديدا في مطلع الالفية الجديدة تمكن من اختراق عملاق الدفاع الفرنسي "ثالس" التي كانت خاضعة لسيطرة وزير الداخلية الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي وتمكن من خلال شبكة علاقاته من ابرام صفقات كبيرة لـ"ثالس" مع العالم العربي، قبل أن يدخل مرة أخرى مع شركة "داسو" الفرنسية ويستطيع بيع طائراتها القتالية من طراز "رفائيل" للمشتري السعودي المفضل.
وحتى في العدوان السعودي على اليمن، يبرز اسم صفا كمدير لأهم شركة سلاح فرنسية تلعب دور الوسيط ايضا بين الرياض وباريس لتوريد أسلحة فرنسية تستخدم في العدوان المتواصل منذ سنوات على الشعب اليمني، اذ كشفت وسائل إعلامية فرنسية أن رجل الاعمال اللبناني اسكندر صفا، يلعب دورا محوريا في هذا الخصوص، فصفا الذي يدير شركة CMN لصناعة السفن الحربية اتفق مع الرياض على توريد 3 سفن حربية بقيمة 250 مليون دولار يمكن تزويدها بصواريخ "سيمباد .ار. سي" بعد أن قامت السعودية بسحب هبة المليارات الاربعة التي منحتها للبنان أيام الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز لشراء أسلحة من فرنسا لدعم الجيش اللبناني وتحويل تلك الاتفاقية الى مخازن الجيش السعودي لقصف الشعب اليمني.
نشاطات إسكندر صفا التجارية لا يمكن حصرها وجمعها ببساطة، وربما هو لا يستطيع تذكرها كاملة، وقائمة معارف الرجل كبيرة ومكتبه ربما لا يقل أهمية عن ديوان الملوك، ورغم أن الرجل لا يحب الأضواء كثيرا الا أن سجله "التجاري" لا سيما مع الكيان الإسرائيلي سمح للرجل ان يدخل التاريخ من أوسع أبوابه ليس فقط كتاجر كبير من ذي أصول عربية بل ايضا بصفة "عميل."