الوقت- الولايات المتحدة "زعيم النفط والغاز بلا منازع في العالم على مدى العقود القليلة المقبلة"، بهذه الكلمات وصف فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية حال الولايات المتحدة، وذلك في جلسة استماع عقدها الكونغرس مؤخراً.
بدورها وكالة الطاقة الدولية أكدت في تقريرها الصادر في يناير/ كانون الثاني والخاص بسوق النفط؛ إنّ إنتاج الولايات المتحدة من النفط سيشهد "انفجاراً كبيراً"، وتأتي هذه الزيادة كردِّ فعلٍ على ارتفاع أسعار النفط، حيث من المتوقع أن يتجاوز الإنتاج الأمريكي 10 ملايين برميل يومياً في 2018، متجاوزاً بذلك المملكة العربية السعودية وخلف روسيا فقط.
وقال موقع "بروكينغز" إنّ الزيادة الهائلة في الإنتاج تطرح سؤالاً مهماً: "هل تأخذ الولايات المتحدة دور المملكة العربية السعودية في سوق النفط؟"، إنها وبحسب الموقع مسألةٌ مثيرة للاهتمام، وبالتأكيد فإن الإدارة الحالية للبيت الأبيض تركز على "هيمنة الطاقة" في خطاباتها، لكن وكما يقول الموقع إنّ أمريكا لن تلعب أبداً دوراً مماثلا للسعودية في سوق النفط، وذلك بغض النظر عن حجم إنتاج الولايات المتحدة من النفط، وهنا من المفيد النظر في تطورات سوق النفط الأخيرة لفهم تلك الأسباب.
أوبك تقلل المعروض لزيادة الأسعار.. ولكن لماذا؟
بعد أن وصلت أسعار النفط إلى أكثر من 110 دولارات للبرميل في العام 2014، انهار سعر برميل النفط الخام برنت إلى ما لا يقل عن 30 دولارا للبرميل أوائل عام 2016، ورداً على هذا الانخفاض قامت أوبك وروسيا بخفض إنتاج النفط، وذلك بهدف زيادة أسعار النفط وتقليل حجم النفط الموجود في السوق.
وخلال هذا الإجراء تمّ التوصل إلى صفقة لخفض الإنتاج بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً في أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وتم تمديدها إلى نهاية العام 2018، حيث قدم السعوديون الجزء الأكبر من خفض المعروض، وذلك من خلال التوقف عن إنتاج 486،000 برميل يومياً، ومنذ هذا القرار ارتفع سعر النفط بنحو 25 دولاراً للبرميل.
لا شك أنّ هذه النتيجة تبدو وكأنها نجاح لمنظمة أوبك، لكن ونظراً للتغيرات في سوق النفط العالمية، من المرجح أن تكون مكاسب منظمة أوبك الإجمالية مؤقتة.
فالنفط الصخري الذي ساهم بنمو الإنتاج في الولايات المتحدة يمكن إنتاجه بسرعة وبتكاليف أقل بكثير من التكاليف التقليدية لإنتاج النفط والغاز، وهذه الميزة تسمح لإنتاج النفط في الولايات المتحدة بأن يكون أكثر مرونة واستجابة لتقلبات أسعار النفط التي أقرتها أوبك، كما أنّ الإنتاج الأمريكي المتزايد بات يُنافس وبسرعة خفض الأوبك لإنتاجها من النفط، وفي هذا السياق توقعت وكالة الطاقة الدولية أن زيادة إنتاج النفط في الولايات المتحدة وحدها سيعوّض تقريباً عن خفض أوبك لإنتاجها مع نهاية عام 2018.
ويقول الموقع إن الزيادة السريعة في إنتاج النفط الأمريكي جعل منظمة أوبك في موقف حرج، حيث أظهرت المنظمة قدرتها على فرض خفض الإنتاج على أعضائها الأمر الذي أدى لرفع أسعار النفط، لكن ارتفاع أسعار النفط هذه جاءت على حساب فقدان حصتها في السوق إثر نمو الإنتاج الأمريكي الذي استجاب لارتفاع الأسعار الدولية للنفط.
ويقول الموقع إنّه ونظرا لارتفاع وتيرة إنتاج الطاقة، فإن خسارة أوبك لحصتها في السوق ستكون أكثر تكلفة، كما أن التنبؤ بتوقيت ذروة الطلب على النفط أصبح إحدى ألعاب اقتصاديو النفط في العالم، في حين يتفق الجميع تقريباً على أن العالم سوف يشهد عقداً أو عقدين من النمو المستمر في الطلب على النفط، وحفاظ أوبك على حصتها في السوق المتغير يُعدُّ ذو أهمية كبرى مما كانت عليه في الماضي، وربما تكون أوبك قد فازت في المعركة برفع أسعار النفط، ولكن يبدو أنها يوماً بعد آخر تخسر حرب حصة السوق.
أمريكا منتج مهم للنفط.. لكنها ليست سيّدة السوق
الولايات المتحدة والتي تُعدُّ مُنتِجاً هاماً للنفط، كما أنّها غيّرت شهد سوق النفط العالمية، لا سيما مع قدرتها على التأقلم بسرعة في السوق استجابة لتغيرات الأسعار، لكن وبحسب الموقع فإنّ الاختلافات الهامة بين الولايات المتحدة والصناعات النفطية السعودية هي أن الولايات المتحدة لن تلعب الدور السعودي في أسواق النفط العالمية، على الرغم من أنها مستعدة لتجاوز المملكة العربية السعودية من حيث حجم الإنتاج.
النفط السعودي يتم إنتاجه من قبل كيان واحد "أرامكو السعودية" التي تملكها وتشغلها الحكومة السعودية، كما أن أرامكو تعمل بدافع ربح بسيط كشركةٍ ربحية، في حين أنّ المخاوف السياسة وإدارة سوق النفط العالمية ستؤثر على قرارات الإنتاج بطريقة لن تحدث في شركة تُركز فقط على الربح، كما أنّ أرامكو تُخطط اليوم لبيع أسهم تعادل خمسة في المئة من قيمتها في اكتتاب العام الأولي في النصف الثاني من هذا العام، ولكن الهيكل الأساسي وصنع القرار في الشركة سيبقى تحت سيطرة الحكومة.
صناعة النفط في الولايات المتحدة، تتكون من عشرات الشركات التي تتخذ قرارات الاستثمار والإنتاج الفردي بناءً على أساس التكاليف الخاصة بها، والمراكز المالية، وقدرتها على المخاطرة، كما أن صناعة النفط في الولايات المتحدة لن تعمل كدولة لإدارة السوق أو رفع الأسعار، وفي الواقع مثل هذا السلوك غير قانوني بموجب قانون مكافحة الاحتكار، لكن الأمر ذاته بالنسبة لعمل أرامكو السعودية وأعضاء أوبك الآخرين، وهذا هو الغرض من منظمة أوبك أساساً.
ويضيف الموقع نقلاً عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تأكيدها على أن إنتاج السعودية اليوم من النفط يتراوح بين 1.5 إلى 2 مليون برميل يومياً من الطاقة الإنتاجية، وهي استراتيجية لن تكون ذات معنى اقتصادي لشركة ربحية.
ويتابع الموقع؛ إنّ وصف الولايات المتحدة بأنها "الطاقة المهيمنة" مضلل، مؤكداً على أنّ الاختلاف بين الامتثال للأسعار والتسعير هو السبب في ذلك التضليل. حيث أنّ "الهيمنة" هي القدرة على تحريك الأسواق، في حين أن الصناعة الأمريكية، ومع أنها قوية ومتطورة لكنها لا تمتلك القدرة على تحريك الأسواق.
كيف ستنافس السعودية في سوق النفط العالمي
على الرغم من أن الولايات المتحدة أصبحت مصدراً لا غنى عنه لإنتاج النفط والغاز في العالم، إلا أن أرامكو السعودية ستواصل القيام بدور فريد في أسواق النفط العالمية، وذلك نظراً لحجمها الكبير ونفوذها وانخفاض تكاليف إنتاجها.
والسؤال المثير للاهتمام بحسب الموقع هو كيف ستتعامل أرامكو السعودية مع وفرة العرض ونهاية النمو على الطلب خلال السنوات المقبلة، وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد يستغرق سنوات عديدة، إلّا أنّه يقترب يوماً بعد آخر، وحتى الآن فقد ركز السعوديون على إدارة الأسعار وضمان أن احتياطاتهم تستمر بشكل جيد في المستقبل، ولكن مع النهاية المحتملة لنمو الطلب، هل سيغير اقتصاديّو المملكة استراتيجيتهم ليتمكنوا من المنافسة بقوة أكبر على السعر مع المنتجين وأشباه المنتجين الأمريكيين؟ الوقت وحده كفيلٌ بالإجابة على هذه التساؤلات.