الوقت - بعد إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" القدس عاصمة للكيان الصهيوني وقراره بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى هذه المدينة المحتلة، دخل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي مرحلة جديدة، كما دخلت مفاوضات التسوية المتعثرة بين كيان الاحتلال والسلطة الفلسطينية بزعامة محمود عباس رئيس منظمة التحرير الفلسطينية مرحلة جديدة أيضاً.
ويعتقد أن خطوات وإجراءات ترامب الأخيرة تجاه القضية الفلسطينية قد أطلقت رصاصة الرحمة على هذه المفاوضات لتثبت فشلها وعدم جدّية أمريكا في التوصل إلى تسوية للنزاع في الشرق الأوسط.
وإثر ذلك طالبت اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير عبر بيان السلطة الفلسطينية بفك الارتباط مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مختلف المستويات السياسية والإدارية والاقتصادية والأمنية وإلغاء مفاوضات التسوية مع هذا الكيان الغاصب.
ومن المعروف أن منظمة التحرير تتكون من عدّة أحزاب وفصائل فلسطينية، أكبرها وأقدمها منظمة "فتح" برئاسة محمود عباس.
وفي بداية انطلاقتها نفّذت منظمة التحرير الكثير من العمليات الجهادية ضد أهداف تابعة للكيان الصهيوني في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها، إلّا أنه وفي عام 1993 تم التوصل إلى اتفاق "أوسلو" بين المنظمة وتل أبيب برعاية أمريكية، وتم الاعتراف بإسرائيل رسمياً من قبل المنظمة، وبدأت منذ ذلك الوقت مفاوضات التسوية بين الجانبين برعاية واشنطن أيضاً.
والتساؤل المطروح: ما الذي ينبغي أن تفعله منظمة التحرير لمواجهة التغييرات التي طرأت بعد إعلان ترامب القدس عاصمة لكيان الاحتلال، والذي يعني عملياً التنكر لاتفاق أوسلو؟
منذ عام 1993 أثبتت الوقائع أن أمريكا وكيان الاحتلال لايمكن الثقة بهما أبداً، وأن جميع وعودهما بشأن التسوية ما هي إلّا أكاذيب الغرض منها ذر الرماد في العيون وكسب الوقت لمواصلة الاستيطان في الأراضي المحتلة وقتل الفلسطينيين والعبث بمقدراتهم خدمة للكيان الصهيوني.
كما أثبتت الوقائع أن الأطراف الفلسطينية المؤيدة لاتفاق أوسلو كانت طيلة العقدين الماضيين تعمل من أجل مصالحها الضيّقة على حساب القضية الفلسطينية، ووصل الأمر إلى حد خيانة بعض هذه الأطراف للشعب الفلسطيني والتنصل عن حقوقه المشروعة في الأرض والوطن وفي مقدمتها حق العودة.
في مقابل ذلك تمكنت الفصائل الفلسطينية المقاوِمة وفي مقدمتها حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" من تحقيق إنجازات وانتصارات عسكرية وسياسية واضحة على الكيان الصهيوني تمثلت بصمود الشعب الفلسطيني في التصدي الشجاع للاعتداءات الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، واندلاع انتفاضات متكررة وقويّة ضد الكيان الغاصب في كافة الأراضي المحتلة.
وفي الوقت الحاضر يشعر جميع الفلسطينيين بمن فيهم من كان يؤيد اتفاق أوسلو بأن هذا الاتفاق لم يكن سوى سراب أريد منه خداع العالم بأن واشنطن يمكن أن تكون وسيطاً محايداً لتسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، الأمر الذي ثبت زيفه وتكشفت خيوطه بأن واشنطن وتل أبيب لايتحركان إلّا وفق خطة مدروسة لإجهاض حقوق الفلسطينيين وتمكين الاحتلال من تنفيذ كافة سياساته الرامية إلى إحكام قبضته على الشعب الفلسطيني، ولكن صمود وذكاء وشجاعة هذا الشعب وفصائله المقاومة تمكنت من إحباط هذه المحاولات اليائسة، وثبت للعالم أجمع أن الحق الفلسطيني لايمكن أن يهزم مهما تكاتفت قوى الشر لتحقيق هذه الغاية.
ويبدو أن طلب اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير من السلطة الفلسطينية بضرورة قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني وإنهاء مفاوضات التسوية يمثل ترجمة عملية لما توصلت إليه الأحزاب والفصائل المنضوية في منظمة التحرير والذي يؤكد بأن واشنطن وتل أبيب يتحركان باتجاه إقصاء القضية الفلسطينية عن اهتمام المنطقة والعالم، ومحاولة شق الصف الفلسطيني لتحقيق مآرب شيطانية في مقدمتها تطبيع العلاقات مع بعض الأنظمة في المنطقة، لاسيّما النظام السعودي.
وجميع هذه المعطيات تثبت بما لا يقبل الشك بأن المقاومة هي الخيار الوحيد الذي يمكن من خلاله أن ينتصر الشعب الفلسطيني على إسرائيل، وتثبت كذلك بأن مفاوضات التسوية والمراهنة على واشنطن ستذهب أدراج الرياح لأن الأخيرة تؤكد باستمرار أن تحالفها مع تل أبيب ودعمها لها في كافة المجالات لا يمكن أن يتغير في جميع الظروف.
من هنا نخلص إلى نتيجة مفادها بأن تغيير نهج منظمة التحرير الفلسطينية باتجاه قطع العلاقات مع كيان الاحتلال هو عين الصواب شريطة أن يتم الاستمرار بهذا النهج ودعم الفصائل الفلسطينية المقاومة وأن لا يقتصر الأمر على مجرد إجراء مرحلي لايمتلك مقاومات الصمود، وهذا الأمر يتطلب تعاضد كافة الفلسطينيين والابتعاد عن كل ما من شأنه إضعاف صفوفهم خصوصاً وأن الأطراف المقابلة (إسرائيل وأمريكا والنظام السعودي وحلفائهم) على استعداد تام للتنسيق فيما بينهم لخداع شعوب المنطقة بأن ما يحصل يهدف لتسوية القضية الفلسطينية في إطار المشروع الصهيوأمريكي الرامي إلى تمزيق الشرق الأوسط خدمة لمآربهم الدنيئة.
وفي حال قررت منظمة التحرير الفلسطينية ترك المراهنة على المفاوضات والتحقت بفصائل المقاومة، فسيكون عندها الشعب الفلسطيني أمام فرصة ثمينة لتعزيز جهوده ونضاله في مقاومة الغزاة تمهيداً لطردهم نهائياً من الأراضي المحتلة بدعم من الشعوب الإسلامية ومحور المقاومة الذي تدعمه الجمهورية الإسلامية في إيران في عموم المنطقة.