الوقت- بينما كانت نار الأزمة السورية تسرق الأمان والاستقرار من مناطق واسعة من البلاد على مدار السنوات السبع الماضية، كانت المناطق الكردية في الشمال السوري تنعم بنوع من الأمان والهدوء لفترة زمنية ليست بالقليلة.
وفي عام 2012 حصل اتفاق مع الحكومة السورية لانسحاب قوات الجيش من المناطق الكردية، وخلال كانون الثاني/يناير 2104 تمكن الأكراد من السيطرة على كوباني وعفرين وأقسام من الجزيرة وإدارتها بشكل ذاتي لكي يتمكنوا فيما بعد من تحقيق حلمهم ووصل هذه المناطق مع بعضها البعض للوصول إلى الحكم الذاتي.
ومع دخول الحلفاء إلى سوريا وخاصة بعد دخول روسيا في عام 2015 وما تبع ذلك من انتصارات متلاحقة للجيش السوري وحلفائه، شعر مسؤولو البيت الأبيض بأن استمرارهم في دعم المعارضة المسلحة والجماعات الإرهابية لن يجدي نفعا، نظرا لعجزهم عن الوقوف في وجه الجيش السوري وفقدانهم مناطق واسعة، لذلك اتجهت واشنطن لدعم الأكراد علهم يسعفوها من فشلها وعجزها ويكونوا حصان طروادة الجديد الذي تبحث عنه.
وتمكن الأكراد من خلال الدعم الأمريكي لهم من تحرير مناطق في الشمال والشمال الشرقي من داعش، وحرروا مناطق واسعة هناك وبدأ حلمهم يقترب دون أن يدروا ماذا تخبئ لهم واشنطن فيما بعد.
ومع تحرير الرقة ورفع صور اوجلان جن جنون الأتراك وشعروا بالخطر على أمنهم القومي، وما زاد الطين بلة أن أمريكا أعلنت أنها تريد تشكيل قوات تضم 30 الف مقاتل جلهم من الأكراد، وبذلك تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من المضي قدما في مشروع تقسيم سوريا من خلال حث الأكراد على الانفصال وتشكيل دولة خاصة بهم من جهة، والضغط على الحكومة السورية وحلفائها من جهة أخرى، وبالتالي الوصول إلى نتيجة مفادها "انهيار سوريا".
الشق الأول حث بخطورته الأتراك، لذلك حركوا قواتهم قبل أن يحدث ما لا يرغب به أردوغان وحكومته، وبدأوا عملية عسكرية حملت اسم "غصن الزيتون"، ومع بداية العملية حس الأكراد بطعنة سيف مسموم من الأمريكان في ظهرهم، هنا بدأوا يناشدون الحكومة السورية بالتدخل لمنع الهجوم وتحدثوا عن كونهم لا يريدون الانفصال وقدموا مقترح للحكومة السورية مفاده أنهم يقبلون بتسليمها المناطق التي يسيطرون عليها، علما أن الحكومة السورية اقترحت عليهم ذلك قبل العملية العسكرية التركية لتجنيبهم الهجوم التركي، لكن الأكراد رفضوا ذلك على أمل أن تدعمهم واشنطن في حال هجم عليهم أي طرف مهما كان وأيا كان، لكنهم انصدموا بالطعنة الأمريكية التي تلقاها إخوانهم في العراق من نفس المصدر وبنفس السيف.
وحاليا إلى ماذا يطمح الأكراد وماذا يريدون؟ هل مازالوا يرغبون بالانفصال؟ وهل يمكنهم الاعتماد على الدعم الأمريكي في حال عرض عليهم من جديد؟ وما هي استراتيجيتهم الجديدة "أمريكا" أم "سوريا"؟
أولاً: إذا أرادوا حقيقةً الانفصال ليس أمامهم سوى التحالف مع الأمريكي، الذي سيدفعهم بهذا الاتجاه من على المنابر، خاصة ان هذا الفكر الانفصالي يدغدغ الأمريكان الطامحين الى تقسيم سوريا بأقل التكاليف، ولكن هذا الخيار ولا إلى غير رجعة لسببين:
الأول: الحكومة السورية أصبحت اقوى من أي وقت سابق مع تعاظم سيطرتها على مساحات واسعة من البلاد، وبالتالي لن تسمح وهي صاحبة القرار بتفكيك البلاد تحت أي ظرف.
الثاني: هناك معارضة لهذا الانفصال من قبل جميع الدول الإقليمية لأنها تعتبر ذلك تهديدا خطيرا لأمنها الوطني وسلامتها الإقليمية، وخاصة تركيا. وحتى دوليا لن تكون هذه الفكرة مدعومة كثيرا، حتى الأمريكيين لم يتمكنوا من رفع مطالبهم علنا بانهيار سوريا.
ثانياً: الانفصال سيتحقق في حال استخدام القوة والضغط وليس من خلال التفاوض والوسائل السلمية. هذا الخيار، بغض النظر عن إمكانية أو استحالة تحقيق ذلك، ينطوي على الكثير من التكاليف المادية، فضلا عن حالة عدم الاستقرار المستمرة هناك وتأثير ذلك على الاقتصاد والمواطنين.
وفي حال أصروا على الانفصال لن يتمكنوا من الحصول على أي امتيازات من الدولة السورية الذاهبة باتجاه إعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية ولن تتوقف حتى استعادتها بالكامل وقد سمعنا هذا الكلام على لسان الرئيس السوري واغلب المسؤولين السوريين.
ثالثاً: إذا كان الأكراد يسعون بالفعل إلى الحكم الذاتي في شكل نظام فيدرالي، فإن الحل المناسب هو التفاوض والاتفاق مع الحكومة المركزية والأطراف المتضررة في سوريا، ومع ذلك لن يكون هذا الحكم الذاتي في صالح الاكراد على المدى البعيد، ولا يمكن اختصار هذه القضية من خلال النظر إليها بالشكل المثالي ومن الخارج، لأن هناك مشاكل في مضمون الحكم الذاتي، أي حدود الإقليم وسلطات المنطقة المتمتعة بالحكم الذاتي.
خلاصة القول؛ لا زال هناك متسع من الوقت للتفاوض مع الحكومة السورية، خاصة ان الأخيرة لم تغلق أبوابها أمام الأكراد في جميع مراحل الأزمة وسعت لإنقاذهم من ورطتهم في عدة مناسبات، لكن الأكراد حينها هم من اغلقوا الأبواب، ومع ذلك لا يزالون في البداية ولا ينبغي أن يفكروا بأنهم متأخرون وليس لديهم أي طريقة أخرى.
أما بالنسبة لخيارهم في التحالف مع الأمريكي، هنا نقول "الأكراد أعلم بنتائج هذا التحالف".