الوقت-أظهرت نتائج استطلاع مؤسسة "غالوب" أن الشعبية العالمية للقيادة الأمريكية انتهت على الصعيد العالمي منذ مجيء دونالد ترامب الى سدة الحكم حيث انخفضت إلى مستوى قياسي قدره 30 في المئة.
وتظهر نتائج استطلاع مؤسسة "غالوب" هذا العام ان معظم المعارضين للقيادة الامريكية كانوا من بين حلفائها أي البرتغال وبلجيكا والنرويج وكندا. وقد تضاءلت نسبة ثقة شعوب هذه البلدان بنسبة 40٪ بالسياسات الأمريكية. كما أن مستوى عدم الثقة بواشنطن مرتفع أيضا في كندا وسويسرا وهولندا وبلجيكا والنمسا وألمانيا.
وبشكل عام، تضاعف مستوى عدم الثقة بامريكا في سنة واحدة: ففي عام 2016، بلغ عدد هذه البلدان 16 بلدا، وفي عام 2017 ارتفع هذا العدد إلى 53 بلدا. وبصورة عامة، فقد انخفضت الثقة في قيادة أمريكا في 65 بلدا بأكثر من 10 في المائة، بما في ذلك جميع بلدان شمال وغرب أوروبا وجميع بلدان أمريكا اللاتينية تقريبا. ما رأيناه في سنة ونصف من رئاسة ترامب هو أن مجيئه الى السلطة تزامن مع مفاجئات وامور غير متوقعة.
وهنالك اليوم انخفاضا في شعبية ترامب في العالم، وخاصة في أوروبا. واستطاع هذا الانخفاض تسجيل أدنى رقم قياسي. وأدى عدم الثقة في السياسة الخارجية لواشنطن تجاه الحلفاء الأوروبيين لأمريكا وكذلك تراجع شعبية الولايات المتحدة إلى التشكيك وعدم الثقة بالسياسة الخارجية الأمريكية على الساحة الدولية من قبل دول العالم. إذ ان معظم دول أوروبا الشرقية غير راضية عن سياسة ترامب .
العنصرية والقومية
لقد أدت عدة عوامل في السياسة الخارجية واستراتيجية دونالد ترامب الكبرى إلى ظهور رد فعل سلبي من الرأي العام على الساحة الدولية. ويمكن الإشارة الى عنصرية الرئيس الامريكي في الخطوة الأولى.
تحاول دول العالم منذ سنوات عديدة، الحد من العنصرية من خلال القيام بنشاطات مختلفة في الدول ومن خلال استخدام المنظمات غير الحكومية (NGO) وتأسيس آلاف الحركات والبرامج المدنية. لكننا نرى دونالد ترامب باعتباره رئيسا لجمهورية لدولة عظمى، غالبا ما يلجأ للتصرفات العنصرية والقومية.
عدم الالتزام بالاتفاقيات الدولية
إن عدم التزام ترامب بالاتفاقيات الدولية هي القضية الثانية التي دفعت دول العالم والرأي العام إلى الشعور بعدم الثقة بسياسته، لاسيما انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من معاهدة باريس للمناخ واحتواء انبعاثات الكربون والغازات الدفيئة، لا يؤثر فقط على امريكا بل على كوكب الأرض بأكمله والقارات الخمس كلها. وبطبيعة الحال، فإن الرأي العام سيُظهر رد فعل سلبي على هذه الخطوة الترامبية التعسفية والأنانية.
في الحقيقة إن الامريكان لا يستوعبون بأن بلدا مهما كان كبيرا وثريا وقويا سيُعرّض سلامة المناخ وأمن البلدان الأخرى والمواطنين الآخرين الى خطر من أجل الحصول على مصالح ومنافع أكثر.
الانفرادية في السياسة الخارجية
تعد الانفرادية في السياسة الخارجية الترامبية هي القضية التالية التي ادت الى تصاعد حدّة التوتر بين الولايات المتحدة وحلفائها. فبعد وصول الرئيس الجمهوري الى البيت الأبيض، اتبع الأخير الى حد ما سياسة مشابهة لنجل جورج دبليو بوش. فالانفرادية في المطالب وطرق تفكير ترامب، أدت إلى ان يكون اتخاذ القرارات الدولية، يصب فقط في صالح الولايات المتحدة وتجاهل مصالح الدول الأخرى، بل ومصالح حلفاء واشنطن أيضا.
الاختلاف في العلاقات عبر الأطلسي
ان الفجوة الحاصلة في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا، والتي يُعبَّر عنها أيضا بالعلاقات عبر الأطلسي، هي أحد الأسباب التي أدت إلى انخفاض شعبية أمريكا. فبعد الحرب العالمية الثانية وانهيار الاتحاد السوفييتي وانهيار نظام القطبية الثنائية، أصبحنا نمر في فترة تسعى أمريكا فيها لاستعادة قوتها الماضية. وبعبارة أخرى، تريد الولايات المتحدة استعادة القوة التي امتلكتها قبل الحرب العالمية الأولى.
اما في الوقت الراهن، ونظرا لأن الأوروبيين تمكنوا من الوصول إلى القدرة بشكل كبير، إضافة الى انهيار النظام القطبي الثنائي، فإن الدول الأوروبية القوية ليست على استعداد لتكون ضحية أخطاء أمريكا أو ان يكرروا أخطاء الولايات المتحدة.
وهذا لا يعني أن الأوروبيين يرون حسابات ربحهم وخسارتهم ترتبط بربح وخسارة الولايات المتحدة. فهم يسعون اليوم إلى تحقيق هوية مستقلة على الساحة الدولية، ويحاولون القيام بدور هام في تحديد وتشكيل النظام الدولي والأحداث الدولية وان تكون لهم بصمة مؤثرة.
ونتيجة لذلك، بدأوا بالتقارب في عام 1952 وشكلوا الاتحاد الأوروبي الذي كان بمثابة رسالة واضحة بالنسبة للولايات المتحدة، مفادها أنهم ليسوا على استعداد بعد لقبول امريكا كأخ أكبر لهم وصانع للقرار.
السياسة الراديكالية في الشرق الأوسط
لقد أثارت سياسة دونالد ترامب الشرق الأوسطية موجة رفض وردود أفعال سلبية من قبل الرأي العام العربي والاسلامي، معتمداً هو وفريقه سياسة الجمهوريين المتطرفة في البيت الأبيض. وانتهجوا سياساتهم في الشرق الأوسط رغم عدم فهم مطالب شعوبه.
كما أن الدعم المطلق واللامحدود للكيان الإسرائيلي هو أحد الوجوه الرئيسية الأخرى لسياسة ترامب العدائية في الشرق الأوسط، وقد أشعل قراره بنقل عاصمة إسرائيل من تل أبيب إلى القدس موجة من الاحتجاجات والغضب العام بين المسلمين كافة.
وكان دعم ترامب لأقل الدول ديمقراطيةً وللحكومات الاستبدادية والدكتاتورية هو الشيء الثاني الذي أدى لتقويض شعبيته عند شعوب الشرق الأوسط خصوصا والرأي العام العالمي عموما. فقد تسببت خطوته هذه الى عدم تجاوب الشعوب في تلك الدول مع السياسة الأمريكية، بل أدت الى ظهور أجواء من الكراهية ضد السياسة الترامبية في المنطقة.