الوقت - يعاني العالم الإسلامي ومنذ عقود من الزمن من تدخل القوى الاستعمارية والاستكبارية في شؤونه في شتى المجالات إلى درجة باتت معها الأمة الإسلامية مفككة وممزقة ويرثى لحالها نتيجة خضوعها لهذا التدخل. ولم يقف الأمر عند هذا الحد؛ بل أدى إلى أن تتمكن القوى المتغطرسة من السيطرة والتحكم بمناطق واسعة من الدول الإسلامية نتيجة النزاعات والخلافات في شتى الميادين.
وهذا الأمر قد أشار اليه قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي خلال استقباله للضيوف المشاركين في "مؤتمر محبي أهل البيت (ع) وقضية التكفير" الذي عقد في طهران قبل بضعة أسابيع، عندما حذّر من العوامل التي تمكن القوى المعادية من اختراق العالم الإسلامي ومن بينها خيانة بعض الحكام في الدول الإسلامية لقضايا المسلمين وتعاونهم مع القوى الاستكبارية لاسيّما أمريكا والكيان الإسرائيلي لتنفيذ مشروعهما الرامي إلى تمزيق العالم الإسلامي بشكل عام والمنطقة بشكل خاص.
صراع الهوية
من العوامل التي أدت إلى نشوب خلافات في العالم الإسلامي هي التباينات الفكرية والعقائدية والمذهبية والقومية التي استغلها الأعداء لاختراق الدول الإسلامية من خلال العزف على وتر الطائفية وتحريض بعضها على البعض الآخر عبر توظيف بعض الحكّام ومن يسمّون أنفسهم بعلماء الدين والأبواق الإعلامية المسمومة لإثارة الفتنة الطائفية والمذهبية والعرقية بين الشعوب الإسلامية خدمة لأسيادهم في الدول الاستكبارية والصهيونية العالمية.
ومما ساهم في تكريس هذه الخلافات ظهور الجماعات المتطرفة والتكفيرية التي غذّتها بعض الحكومات في العالم الإسلامي وفي مقدمتها السعودية، مدعومة بفتاوى شيوخ الوهّابية التي تبيح قتل كل من لا يتفق معهم في أفكارهم المتطرفة والهدّامة، كما حصل في العراق وسوريا ودول إسلامية في مناطق أخرى من العالم.
التخلف الثقافي
لعب الجهل والتخلف الثقافي دوراً هدّاماً في تمزيق العالم الإسلامي، ونتيجة هذا العامل خسرت الأمة الإسلامية الكثير من طاقاتها الفكرية وإمكاناتها الثقافية التي يفترض أن توّظف لخدمة قضايا المسلمين وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، في حين استفاد منها الأعداء لتنفيذ مخططاتهم الخبيثة عبر البعض ممن يدّعي الثقافة، ومن خلال هؤلاء تمكنت قوى الشر من الاستحواذ على قطّاعات لايستهان بها من الشباب المغرر بهم لتنفيذ مآرب لاتخدم سوى القوى الاستكبارية وفي مقدمتها أمريكا وحليفاتها في الغرب وعموم المنطقة.
وممّا ساهم أيضاً في تكريس التخلف الثقافي في العالم الإسلامي، انعدام الثقة لدى الكثير من الشعوب الإسلامية بقدرتها على مواجهة التيارات المنحرفة وعدم اطّلاعها العميق على الثقافة الإسلامية الصحيحة التي ترفض الخضوع للظالم والمستكبر والفاسد والقوى الأجنبية التي تقف خلفهم وتساندهم لتحطيم العالم الإسلامي.
التخلف الاقتصادي
يعاني الكثير من الدول الإسلامية من التبعية الاقتصادية للقوى الاستكبارية والسلطوية بسبب التخلف الاقتصادي وعدم الثقة بالنفس لتحقيق التقدم في هذا الميدان الحيوي والمهم رغم امتلاك معظم البلدان الإسلامية لثروات طبيعية هائلة في مقدمتها النفط والغاز وباقي مصادر الطاقة وتمتعها بمواقع استراتيجية جداً وامتلاكها لعقول جبّارة يمكن الاستفادة منها بشكل صحيح في تطوير قدراتها الاقتصادية للتخلص من التبعية للخارج خصوصاً للقوى الظالمة التي توّظف هذا النقص لفرض إراداتها واستراتيجياتها على العالم الإسلامي.
التخلف العلمي والتقني
لاتخفى أهمية التقدم العلمي والتقني في تحقيق الازدهار الصناعي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والصحّي والبيئي للدول التي تسعى للتخلص من التبعية للقوى الأجنبية، لكن - وللأسف الشديد - لازال الكثير من الدول الإسلامية لايولي أهمية لهذا الجانب، وهو ما مكّن القوى السلطوية والاستكبارية من استغلال هذا الضعف وتقديم مصالحها على مصالح الشعوب الإسلامية وبالتالي التحكم بما حباهم الله من نعمه الكثيرة، ما تسبب بأزمات متعددة للعالم الإسلامي استفاد منها الأعداء للتدخل في شؤون المسلمين والاستحواذ على مقدراتهم في شتى الميادين.
وهنا لابدّ من الإشارة إلى النقص الحاصل في إعداد الكوادر العلمية المتخصصة في الكثير من الدول الإسلامية والذي ساهم بدوره أيضاً في التخلف العلمي والتقني لهذه الدول وجرّها بالتالي إلى الاستعانة بقوى أجنبية لاتهمها سوى مصالحها للتعويض عن هذا النقص الذي تسبب بتأخر العالم الإسلامي في هذا المضمار.
المعضلات الاجتماعية
من العوامل الأخرى التي تسببت بتخلف العالم الإسلامي وفتحت أبوابه أمام القوى الاستكبارية والاستعمارية هي المعضلات الاجتماعية كالبطالة وتعاطي المخدّرات والتورط بالفساد الأخلاقي الذي جرّ الويلات على الأمة الإسلامية نتيجة استغلال الأيادي الأجنبية لهذه المعضلات وتوظيفها لخدمة مصالحها ومآربها الشيطانية على حساب الدول والشعوب الإسلامية، ما أدى بالتالي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي للكثير من هذه الدول والشعوب في المنطقة ومناطق أخرى من العالم.
الاستسلام أمام الكيان الصهيوني
رضخ الكثير من أنظمة وحكومات الدول الإسلامية للكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين نتيجة عمالته وانحطاط قيمه من ناحية، وانشغاله بقضايا ثانوية وجزئية من ناحية أخرى، وتورطه بحروب ونزاعات لاطائل منها من ناحية ثالثة كالعدوان الذي تشنه السعودية على اليمن منذ ثلاث سنوات، ما ساهم في إستكلاب الكيان الإسرائيلي لممارسة المزيد من الظلم والإجرام ضد الشعب الفلسطيني وعموم شعوب ودول المنطقة. وقد أثبتت التجارب أن محاولات فرض التسوية مع كيان الاحتلال من قبل الأنظمة الرجعية المدعومة من القوى السلطوية وفي مقدمتها أمريكا قد كلّفت العالم الإسلامي الكثير من طاقاته ووقته وإمكاناته البشرية والمادية التي كان ينبغي أن تتم الاستفادة القصوى منها لتحرير فلسطين السليبة وتطهير المقدسات وفي مقدمتها القدس الشريف من دنس الصهاينة الغزاة.
وبدلاً من دعم الجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة في المنطقة راحت الكثير من الدول المسمّاة بالإسلامية تتآمر على إيران وقوى المقاومة من أجل إضعافها خدمة للكيان الصهيوني وأمريكا الحليف الرئيس لهذا الكيان في كافة المجالات.
أخيراً لابدّ من الإشارة إلى الدعم المادي والتسليحي والإعلامي واللوجستي الذي قدمته العديد من الأنظمة والحكومات في العالم الإسلامي وفي مقدمتها النظام السعودي للجماعات الإرهابية والتكفيرية من أجل تمزيق العالم الإسلامي وربطه بعجلة التخلف خدمة للأعداء المتربصين بالمسلمين والسّاعين لتدميرهم في شتى الميادين.