الوقت - قبل 100 عام كانت خريطة شبه الجزيرة العربية تبدو مختلفةً كثيرًا عمّا هي عليه اليوم، فقبائل كبيرة كانت تقتتل فيما بينها، قبيلةٌ تحكم وقبيلة تُهجّر أو تُهاجر بمحض إرادتها بحثًا عن الرزق والحكم في أرضٍ أخرى. لم تكن السعودية ولا الإمارات ولا البحرين، وقطر التي صارت "عدوًا" للثلاث سابقات الذكر، لم تكن هذه الدول ولا الكويت أو سلطنة عُمان على ما هي عليه اليوم من حدود أو تصالحات أو تحالفات. إلا أن السعودية التي كان لها نصيب الأسد من شبه الجزيرة العربية، عملت في السنوات الأخيرة على بناء تحالفات مع أطراف عديدة، عوّدت من يتابع سياسة المملكة على فكّها بين الفينة والأخرى بما تقتضيه مصالحها، فكانت تحالفات آنية لم تعرف طعم الإستقرار يوما، والشواهد على ذلك كثيرة. فكيف تسحب السعودية البساط من تحت حلفائها؟ سؤال نجيب عليه في المقال التالي، بعرض شواهد على النهج السعودي مع الحلفاء.
من الأزمة القطرية نبدأ. منذ انطلاق عاصفة الحزم ضد اليمن العربي في 26 آذار 2015، كان لقطر مشاركة واضحة. أرسلت 1000 جندي من قواتها المسلحة، مدعومين بعتاد ثقيل ومتوسط وصواريخ دفاعية ومنظومة اتصالات، وأرسلت عشر طائرات مقاتلة شاركت في الموجة الأولى من الضربات الجوية للعدوان.
بقي ذلك حتى حزيران العام الماضي، حيث اعلنت كل من السعودية والبحرين والإمارات ومصر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر وأعلن التحالف السعودي ضد اليمن حينها إنهاء مشاركتها في الحرب على اليمن، موجهين الاتهامات إلى الدوحة برعاية الإرهاب وضرب الاستقرار بالمنطقة وعدم تنفيذ اتفاق الرياض.
حول ذلك تحدث محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري، معتبرا أن قطر عملت مع السعودية والإمارات في سوريا، وأرسلت جنودها لليمن، فاتهمت بالقضية الأولى بدعم الإرهاب، والثانية بالخيانة.
شاهد آخر، ما حصل مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي لم تكن قصته إلا صورة عن الطريقة التي تتخلى فيها الرياض عن حلفائها وبسهولة. فقد فعلت هذا مع القبائل السنية العراقية والمعارضة السورية ولكل سياسي لبناني قصته والحريري صار واحدا منهم.
وحول ذلك كشف مصدر لبناني رفيع المستوى قبل أيام أن السعودية فكت ارتباطها نهائيا مع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، مشيرا إلى أن العلاقة بينهما ستعود ولكن ليس كما كانت من قبل.
وأكد المصدر على أن السعودية لن تقاتل من أجل الحريري بعد اليوم وخصوصا في موضوع رئاسة الحكومة.
وفي هذا المجال أيضا من الجيّد الإشارة إلى الطاغية العراقي صدام حسين، حيث استنامت المملكة للقول بحتمية دعمها له باعتباره حارس البوابة الشرقية كما صوره وسماه الإعلام الخليجي وقتها. ومع هذا؛ فإنه -مع مرور الوقت وتوالي السنوات- فإن السعودية (شأنها شأن دول خليجية أخرى) قبضت يدها عن معاونة صدام بالقدر الذي كان يراه هو كافيا لعونه، ثم ازداد قبض اليد ليتحول إلى الحد الذي كان كفيلا بإثارة حنقه.
ومع هذا الشعور بخيبة الأمل عند صدام؛ فإن القيادة السعودية -كعادتها في إشاعة الغموض المريح والساحر وبذل الوعود الطيبة والمبتسمة- ظلت تمد له حبال الأمل في التجاوب التام مع أطروحاته، ولم تسمح لعبارات الحسم الرافضة لبعض جزئيات منطقه بأن تتطرق إلى صياغات خطط التعاون المالي المستقبلية.
وذلك على نحو ما فعلت الكويت التي استدعت غضبه وتمترسه، ليبدأ سيناريو حرب الخليج الثانية بضوء أخضر من جهات أمريكية إن لم يكن من أمريكا بكيانها الأعلى كله.
هذا وتحاول الرياض دائما فرض أجندتها على الدول الحليفة، مثلما فعلت مع مصر أيام مبارك ومرسي والآن السيسي، حيث كان من الغريب جدا أن تساند السعودية الرئيس المخلوع حسني مبارك وفي نفس الوقت تدعم وصول مرسي إلى الحكم، وبعد وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم مرت العلاقات السعودية المصرية بسلسلة من التذبذبات التي توضح وتؤكد أنه كيف تبني السعودية علاقات آنية غير استراتيجية.
طبعاً، لا يخفى على أحد بأن السعودية تملك مع مصر ذاكرة مريرة تعود إلى حكم محمد علي باشا، الذي قضى على الدولة السعودية الأولى قبل مئتي عام تقريباً، كما ترجع إلى الزعيم جمال عبدالناصر، الذي وضعها في الخمسينيات والستينيات، بمشروعه القومي وسياساته الشعبية، أمام أصعب التحديات في تاريخها.
ومن منا لا يذكر الغضب السعودي على سلطنة عمان التي رفضت تحويل مجلس التعاون إلى اتحاد، وهددت بالخروج من المجلس. حيث لوحت السعودية بقطع دعم مجلس التعاون عن سلطنة عمان في حال اتخذت الاخيرة قرارها بالخروج من منظومة مجلس التعاون.
وحاليا يمكن القول إن أزمة دبلوماسية حلّت وستتصاعد انعكاساتها على العلاقات السعودية العُمانية، بعدما أقدم طيران التحالف الذي تقوده الرياض على استهداف منزل سفير سلطنة عُمان لدى اليمن “بدر بن محمد المنذري” مما أدى لوقوع أضرار جسيمة وتدمير المبنى السكني، حيث اعتبرت وزارة خارجية السلطنة أن استهداف منزل سفيرها في صنعاء يُعد مخالفة صريحة للمواثيق والأعراف الدولية التي تؤكد على حرمة المقار الدبلوماسية.
في الختام يمكن القول إن السعودية تسعى بأي شكل من الأشكال إلى الحصول على ضمان خارجي لأمنها وثرواتها النفطية الضخمة، وكل شيء خارج ذلك لا يهم أصحاب الرأي في المملكة، لذلك نجدها تدفع الغالي والنفيس للحفاظ على العلاقة مع الولايات المتحدة التي تؤمن لها الحماية منذ أربعينيات القرن الماضي وحتى الآن. ونجدها تتذبذب في علاقاتها الإقليمية وفقا لما تقتضيه المصلحة الأمريكية، فتارة تدافع عن مصر أو تركيا وعن أنظمة الحكم فيها وتارة تهاجم هاتين الدولتين وغيرهما وفقا لأجندة واشنطن في المنطقة.