الوقت - ما يزال مسلسل الفضائح في الغرب قائما ولا تبدو نهاية استعراضاته قريبة، وهو يستعرض مسرح الانتهاكات الانسانية على نحو تراجيدي مؤلم بفضاعة وقساوة الاجرام التي عمدت اليها القوات الامريكية وحلفائها ابان احتلال العراق، وما خلفته من انتهاكات للانسان العراقي.
لكن الغريب هي ان الفضائح هذه تُسمع من عبر المحيطات، في حين انها خرساء لدى اصحاب الدار، ممن واجهوا تلك الاغتصابات واعراضهم.!
بين فترة وأخرى تكشف التقارير الغربية عن جملة فضائح ما قامت به القوات الامريكية في العراق وحلفائها من البريطانيين وغيرهم، من انتهاكات انسانية بحق العراقيين نساءا ورجالا وأطفالا منذ ساعة اقتحام البلاد في عام 2003 مرورا بسنوات احتلالهم وما خلفته من قصص مأساوية ما تزال حاضرة لدى أذهان الشارع العراقي، الاشهر من بينها "بلاك ووتر" الشركة الامنية الامريكية وواقعة "مذبحة ساحة النسور" في العاصمة العراقية بغداد، واقعة حدثت في منتصف أيلول من عام 2007 عندما أقدم عناصر الشركة على فتح النار على سيارات مدنية تقل عائلات عراقية ما أدى الى سقوط 41 مدنيا بين قتيل وجريح بينهم أطفال.!
وعشرات الوقائع التي كشفت في حينها كأحداث معتقل "أبو غريب" وغيرها وما تزال تتعرى أحداث الاحتلال باعترافات المحاكم الغربية، ولعل ما خفي أعظم.!
لم نشهد متابعة عراقية جادة لتلك الملفات المعلنة من جانب، ومن جانب آخر البحث عن قصص ما تزال قيد الكتمان أو ربما شكاوى يريد لها أصحابها ان تعلن لكنها مهمولة من قبل المعنيين.!
عادة ما تستثمر البلدان مثل تلك الملفات وتؤطرها باهتمام بالغ، وتستعرضها في توقيتات حساسة عبر الجهات المندوبة عنها في المحافل الدولية والملتقيات الرسمية ومؤتمرات حقوق الانسان والحيوان وغيرها مما يتغنى به الغرب ويطرب عليه الشرق، كما لابد أن تكون حاضرة على جنب أي طاولة دبلماسية.
هذا لم يحدث في العراق، نعم لم يحدث ولا احد يعرف السبب وراء الصمت المطبق هذا.!
كما لم نسمع عن افتتاح دائرة رسمية معنية بارشفة شكاوى من تضرروا من تلك الحقبة البائسة، والتي قد تملاء عشرات الالاف من الصفحات، لتقدَم في وقتها الى محكمة العدل الدولية.
واذا ما يزال الشعب العراقي يتحمل أعباء انتهاكات النظام البائد بحق الكويت، بدفع مليارات الدولارات من قوته للكويتين، فأن من حقهه أيضا أن تطالب حكومته بحقوق انتهاكاته جراء العدوان الامريكي البريطاني باعترافهم واقرار محاكمهم.!
وهنا الحديث لا يقف عند السياسة والقانون فحسب، فبأمكان العراق ان يحصل على تعويضات تقدر بمئات مليارات الدولارات، حسب خبراء في القانون الدولي، ليس مهما ان يستلم العراق تلك الاموال اليوم، فكلنا يعلم ان المهمة شاقة ومعقدة في ظل الواقع السياسي العالمي الحاكم، بيد أن المطالبة بتلك الحقوق سيكون لها وقعها في وقتها المناسب ولو بعد حين.
رغم أن العراق وبعد انتهاء مرحلة الحرب على داعش، بات يتمتع بمكانة سياسية مرموقة على الصعيد الدولي، بالتزامن مع ما تمر به واشنطن من فترة تعد الاسوء من بين فتراتها على مر العقود الماضية على يد دونالد ترامب، وهذا ما يمنح العراق فرصة استثنائية في مواجهة الانتهاكات الامريكية لحقوق شعبه، وتقديم القيادات المتورطة بارتكاب المجازر ضد العراقيين في "أبو غريب" أو غيره، كمجرمي حرب والمطالبة بمحاكمتهم.
ومع اننا ندرك أن بغداد ما تزال تعاني مرارة بصمات حكام البيت الابيض في مطبخ قرارها حتى الان، لكننا ندرك ايضا ان نسبة التدخلات الامريكية في الواقع العراقي تحجمت كثيرا في المراحلة الراهنة بعد ان عاد جزء كبير هيبة البلد والانتصارات التي تحققت على رجالاته.
واذا ما تقف حكومة حيدر العبادي على اعتاب مرحلة قلع الفاسدين، وتعلن حملتها ضد مافيات الفساد في العراق، فالامر لابد أن لا يقف عند حدود الداخل فحسب، خاصة وان ملفات كهذه "انتهاكات القوات الامريكية بحق العراقيين" تمس صميم غيرة ابناء الرافدين، من هنا تعد ملفات ساخنة في تحريك الجماهير على ابواب الانتخابات البرلمانية القادمة.
وهذا ما يمكن ان تستثمره كافة الاحزاب في العراق المشتركة في العملية السياسية، من خلال فتح ملف انتهاكات حقوق الانسان العراقي، ولاشك ان هذا الملف يعد احد أهم اهتمامات شريحة واسعة من ابناء الشعب.
انها قضية شعب بأمكله، وكما تقع المسؤولية على عاتق القيادة فهي على عاتق كل عراقي غيور أيضا، مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني ورواد مواقع التواصل الاجتماعي كلٌ من موقعه، انطلاقا من الاعلام بكل اشكاله، مرورا بالكُتاب على اختلاف الوانهم في سرد وقائع تلك الانتهاكات والقصص المحركة لضمير الانسانية اينما كان، ختاما بالفرد العراقي البسيط، فأنت يا سيدي تقلب مواقع التواصل الاجتماعي بابتسامة عريضة ومتعة لامتناهية وقد تناسيت ان اعراض العراق قد سلبت يوما.!