الوقت- بعض الشركات متعددة الجنسيات، وبهدف حماية مصالحها آثرت دعم الجماعات الإرهابية في سوريا من دون أدنى مسؤولية عن تلك الأعمال، لتقوم بتقديم تسهيلات وامتيازات لها وافتتاح عدة فروع لها في معظم البلدان، وأبرز تلك الشركات على الساحة العالمية التي كُشف مؤخراً عن دعمها للإرهاب في المنطقة هي شرکة "لافارج" الفرنسیة التي تعتبر من أكبر الشركات التي تعمل في مجال الإسمنت وإحدی الشركات التابعة لمجموعة "لافارج هولسیم" العالمیة، تلك الشركات التي قدمت لتنظیم داعش الإرهابي في سوریا علی مدی سنةٍ کاملة دعم مالي كبير.
الدعم والتنسیق
كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسیة عن فضیحة تمس فرع شركة "لافاج" في" سوریا"، تمثلت في إطار التعاون المشترك بین الشركة وتنظیم "داعش الإرهابي" بین عامي 2013 و2014، حیث كشفت الصحیفة أن الشركة استعانت بدايةً بخدمات شخص أردني يدعى "أحمد جلودي"، بعثته الإدارة إلى مدينة منبج مطلع العام 2013، ليتولى تأمين اتصالات مع مسؤولي التنظيم وأمرائه وذلك بواسطة شخص یدعی "أحمد جمال" من أهالي مدینة الرقة الذي کان يحصل على مبالغ مالية من "لافارج" عبر تحويلات مالية إلى حساب مصرفي في بيروت، يملكه الدكتور "عمرو طالب"، وهو يشغل رسمياً مستشارا لشركة "لافارج"، وتقول "لوموند" : جلودي لا يوجد له أثر في سجلات الشركة كمسؤول رسمي، لكنه ورغم ذلك كان يتوفر على حساب إلكتروني بأسم لافارج".
وذكرت "لوموند" أنها حصلت على نسخ من رسائل إلكترونية متبادلة بين جلودي والمدير العام للفرع السوري للشركة، "فريديريك جوليبوا"، المتواجد في العاصمة الأردنية عمان، وتتعلق بالتحويلات المالية اللازمة لـ "رشوة التنظيم الإرهابي"، وكانت الرسائل تصل إلى مدير أمن الشركة في باريس، "جان كلود فييار".
وكشفت الصحیفة عن كمیة المبالغ التي دفعها فرع الشرکة في سوريا، والتي بلغت أكثر من 500 ألف دولار ما بين يوليو/تموز 2012 وسبتمبر/أيلول2014.
وأوضحت الصحیفة الفرنسیة أن الدعم الذي تقدمه الشركة لتنظیم "داعش" الإرهابي كان بغیة استمرار عمل مصنعها المتواجد في "خراب عشق" في منطقة "عين العرب"، الذي اشترته الشركة في العام 2007 من شركة "أوراسكوم" المصرية، حیث یعتبر هذا المصنع من أهم الاستثمارات الخارجیة لشركة "لافاج"، إذ تبلغ قیمته ما یقارب 600 ملیون یورو، لكن بقاء المصنع أمناً تحت الرقابة والحمایة یحتاج إلی ثمنٍ باهظ.
فیما صرح مدیر المصنع في سوریا بین عامي 2008حتی2014 "برونو بيشو" أن الشركة الأم كانت ترسل مبالغ ما بین"80 إلی 100" الف دولار ضماناً لأمن موظیفها في سوریا حیث أن تلك المبالغ كانت وعن طریق رجل الأعمال السوري "فراس طلاس" المالک لعدة أسهم في فرع الشرکة تُرسل لمجموعات مقاتلة منها تنظیم داعش الإرهابي الذي شملت حصته من الأموال مایقارب 20 الف دولار شهریاً، حیث یتكفل التنظیم الإرهابي بإصدار التصریحات التي تسمح للشاحنات المحملة بالاسمنت والقادمة من الشركة بالمرور من الحواجز التابعة له، بالإضافة إلی تزودها بالنفط من داعش الإرهابي، وذلك عن طریق تجار لهم علاقة بالتنظیم الذي سيطر في حزیران/2013 علی الغالبیة العظمی من احتیاطي النفط في المنطقة .
لافارج في المحاكم
بادرت السلطات الفرنسية إلی اجراء تحقیقات مكثفة مع ثلاثة مسؤولين شركة "لافارج"، في إطار اتهامها بدعم تنظيمات "إرهابية" مسلحة في سوريا، إضافةً إلی تحقیقات أخری أُجریت، في حزيران الماضي حول نشاط فرع الشركة المتواجد في سوریا.
ووفق ما نقلت وكالة "رويترز"، فإن اثنين من الثلاثة الذين جرى استجوابهم، هما رئيسان سابقان للشركة في سوريا، والثالث مدير سابق للأمن في"لافارج" التي اندمجت مع شركة"هولسيم" السويسرية عام 2015.
وقالت "رويترز" إن محامي المدراء الثلاثة امتنعوا عن التعليق على حادثة الاستجواب، كما رفض المتحدث الرسمي باسم الشركة الإدلاء بتصريحات.
وفي سیاق التحقیق اعترفت شركة "لافارج"، بتورط فرع الشرکة في سوريا "بدعم الإرهاب"، وقالت في بيان لها إن "التحقيق الداخلي أثبت دفع أموال بالفعل، وهو ما يتعارض مع سياساتها، وإن عدداً من الإجراءات التي اتخذت لمواصلة العمليات الآمنة في المصنع غير مقبولة، وهناك أخطاء بالغة في القرارات انتهكت قواعد السلوك المعمول به.
وفي مقابلة صحفیة نشرتها صحيفة "لوفیغارو" الفرنسیة أن "بیت هيس" رئیس شركة لافراج هولسیم قال: "للأسف ارتكبت الشركة أخطاء غير مقبولة في سوريا، ونتعاون مع المحققين الفرنسيين لإظهار كافة حيثيات القضية، أبوابنا مفتوحة لهم ولدي ثقة بالعدالة الفرنسية"، وتابع حدیثه للصحیفة: "لقد صدمت بالطبع؛ اتهامنا بتمويل جماعات إرهابية نعلم جيدا عن فظائعها، خطير للغاية، ونأسف لذلك، المجموعة انسحبت بالتأكيد من سوريا متأخرة للغاية، وكان بالإمكان تفادي كل ذلك، عندما علمنا بالأمر بدأنا على الفور تحقيقا مستقلا برئاسة عدة شركات قانونية وشركة محاماة دولية".
يُشار إلى أنّ شركة لافارج الفرنسية وبعد انتهاء التحقيقات التي يبدو أنّ الاتهامات بها أصبحت ثابتة ستتلقى ضربة كبيرة، وخصوصاً فيما يتعلق بسمعتها الدولية حيث أنّ الشركة تضمّ هذه 84.000 موظّف منتشرين في 79 بلداً حول العالم و2200 موقع إنتاج.