الوقت- بعد سقوط طالبان من السلطة عام 2001، كانت طالبان دائما المعارضة الرئيسية للحكومة المركزية في أفغانستان، وكانت تتمتع بإمكانيات كبيرة في استقطاب العناصر والتسليح في أفغانستان، إلى درجة أنه بعد تخفيض عدد القوات الأمريكية في أفغانستان في نهاية فترة رئاسة باراك أوباما، بدأت الحركة بعمليات عسكرية واسعة النطاق، وهي تسيطر الآن على ما يقرب من 50٪ من أراضي أفغانستان، وفقا لبعض المصادر، وتواجه الحكومة المركزية في مناطق عديدة اخرى.
وقد ادى ظهور تنظيم داعش وانتشاره في افغانستان الى انتشار انباء مؤخرا تشير الى وجود تعاون بين تنظيم داعش وطالبان في افغانستان وهو ما نفته الأخيرة بشكل قاطع مما أدى الى تساؤولات بشأن طبيعة العلاقات بين الطرفين واين تؤدي هذه التعاملات في نهاية المطاف.
العوامل المشتركة والمتباينة في العقيدة السياسية لطالبان وتنظيم داعش
لفهم نوع العلاقة بين داعش وحركة طالبان مع بعضهما البعض في أفغانستان، من الضروري مقارنة العناصر الفكرية لكل منهما.
1-المشتركات
ومن أهم أوجه التشابه بين الفكر السياسي للتنظيمين، محاولة إقامة خلافة إسلامية. وقد نجح التنظيمان - على الرغم من كونهما في زمان مختلف وفي أراض مختلفة - بتشكيل حكومة، ويمكن قياسهما من حيث الأداء وإدارة الحكم.
ومن بين أوجه التشابه الأخرى بينهما، الفهم الأصولي والمتطرف للدين والمصادر الدينية. وقد طبق كلا التنظيمين، عندما سيطروا على بعض أراضي في العراق أو سوريا أو أفغانستان، ممارسات سلفية وأصولية حيث كانت نتائج هذه الممارسات متشابه نسبيا للتنظيمين.
كذلك هنالك عدوانية في أساسيات ومصادر الفكر في كلا التنظيمين تجاه الشيعة. وبطبيعة الحال، تجدر الإشارة إلى أن جماعة الطالبان، بسبب النشاط العملي نسبيا (بالمقارنة مع داعش)، لا تعادي الشيعة في الوقت الراهن، وكان تعايشهم مع شيعة افغانستان أفضل في فترة حكمهم (بالمقارنة مع داعش)، "على الرغم من تعرض شيعة افغانستان الى مضايقات وإساءات في فترة تولي طالبان الحكم في أفغانستان."
2-الإختلافات
يمكن إيضاح اثنين من أهم الاختلافات بين طالبان وتنظيم داعش على النحو التالي:
إحدى أهم الاختلافات هو نوع الخلافة التي يتبعها كل منهم. وعلى الرغم من أن طالبان دعت دائما إلى إقامة إمارة إسلامية في أفغانستان، فإن التنظيم داعش الإرهابي يدعو إلى إنشاء خلافة واحدة يحكم فيها جميع البلدان الإسلامية، ويحكم العالم بأسره فيما بعد.
كما تستمد طالبان جزءا من شرعيتها في افغانستان، من النزعة القومية والبشتونية، اضافة إلى الإسلام، في حين أن تنظيم داعش لا يستند في شرعيته الّا على الشريعة الإسلامية (بالعقيدة السلفية التكفيرية). والواقع أن أهم نقطة افتراق بين تنظيم داعش وحركة طالبان هي العرقية والوطنية لدى الطالبان بالمقارنة مع داعش.
مناطق تواجد تنظيم داعش وطالبان
وبعد خروج معظم القوات الأمريكية من أفغانستان في عام 2014، استولت طالبان على جزء كبير من أراضي أفغانستان. وفي الوقت الحالي، يسيطر طالبان على جزء كبير من المناطق الجنوبية في أفغانستان في مقاطعتي قندهار وهيلماند، وعلى أجزاء من فراه وهرات وغور وبادغيس وبلخ وسمنغان وجوزان وسار بول ومناطق أخرى في أفغانستان، كما لديهم صراع مع الحكومة المركزية في مناطق أخرى كثيرة.
كما لا تتوفر معلومات جديدة ودقيقة عن المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش، ولكن وفقا لأحدث التقارير المتاحة في العام الماضي، تقع الأنشطة المركزية في مقاطعة ننغارهار في أفغانستان.
المصالح والمواقف المشتركة بين التنظيمين في افغانستان
العنصر الرئيسي الذي يحدد نوع العلاقة بين طالبان وداعش في أفغانستان، هو مبدأ دخول داعش ونشاطه في أفغانستان. وتعتبر حركة طالبان، أفغانستان ارضا لأنشطتها، ولا تقبل أن تقوم جماعة إسلامية أخرى في البلاد بمواجهة الحكومة المركزية بعلم آخر وتجنيد وتدريب عناصر أخرى. وبطبيعة الحال، تجدر الإشارة إلى أن جزءا كبيرا من عناصر داعش في أفغانستان يتألفوا من أفراد انفصلوا عن طالبان، وهذا عامل لمعارضة ومعاداة بعضهم البعض.
ولكن من أهم أوجه التشابه بالنسبة للتنظيمين هو معاداتهم للعدو المركزي. والواقع أن العدو المشترك قد يُقّرب التنظيمين على المستوى العملي في بعض مناطق الصراع مع قوات الأمن، على الرغم من أنه لم يلاحظ ذلك حتى الآن. ويشترك تنظيم داعش وبعض تيارات طالبان المتطرفة أيضا في معاداتهم للشيعة، حيث تشير بعض التقارير إلى أن بعض عناصر تنظيم داعش وحركة طالبان تعاونوا في الهجوم على مدينة ميرزا أولانغ الشيعية في مقاطعة سار - بول.
أحد العوامل الأكثر أهمية في نوع تعامل طالبان وداعش هي الولايات المتحدة الامريكية، على الرغم من أنها لا تؤثر بشكل مباشر على العلاقات بين التنظيمين، ولكن مع زيادة تواجد القوات الأمريكية في أفغانستان، سيكون هناك في الواقع عدو مشترك للتنظيمين في ساحة المعركة، وعلى الرغم من انعدام القدرة على توحيدهم، فإنهم قد يلتقون في بعض النقاط في مواجهة أمريكا. وبطبيعة الحال، تجدر الإشارة إلى أن العداء لأمريكا هي أحد العوامل الرئيسية لهوية الطالبان، في حين أن هذا العامل لا يمكن رؤيته بتلك القوة في داعش.
مستوى التناسق والانسجام بين تعاليم طالبان وتنظيم داعش مع المجتمع الأفغانستاني
ووفقا للعوامل العقائدية والأسس الشرعية لداعش الطالبان، والتي سبق ذكرها، من الواضح أنه لا ينبغي أن يُتوقع من تنظيم داعش أن يتمتع بحواضن جماهيرية واسعة وقاعدة شعبية قوية في أفغانستان. وكما ذكر سابقا، فإن أحد عناصر شرعية طالبان هي العرقية.
وتجدر الإشارة إلى أن البشتون هم أكبر قومية في أفغانستان، وأن حركة طالبان، التي تستمد أصولها من هذه القومية، تحظى بقبول ملحوظ بين المواطنين البشتون. وبشكل أساسي، فإن القومية هي أحد العوامل الرئيسية لصنع القرارات السياسية في أفغانستان، في حين أن تنظيم داعش لا يؤيده في ذلك فحسب، بل يرفض الانتماء العرقي والقومي أيضا.
ولذلك، من الواضح أن لطالبان ومعتقداته وأهدافه مقبولية أكبر بين الشعب الأفغاني، وفي هذا الصدد، لا يمكن لداعش أن يستقطب عناصر لصالحه بقدر ما تستطيع حركة طالبان ذلك.
العواقب والاعتبارات بالنسبة لجيران أفغانستان
وعلى الرغم من أن وجود داعش في أفغانستان يشكل تهديدا رئيسيا لأفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى، فإن العلاقة بين طالبان وداعش لا يمكن اعتبارها تهديدا تلقائيا للجيران. والواقع أن الصراع بين طالبان وتنظيم داعش في أفغانستان، اضافة الى عدم كونه تهديدا للدول المجاورة، بل يمكن أن يكون عاملا مساعدا في تقويض تنظيم داعش في أفغانستان، وذلك إذا اتبعت الدول المجاورة سياسات صائبة للقضاء على خلايا داعش في افغانستان.
الخلاصة والاستنتاج
لقد أعلن تنظيم داعش إرهابية (ولاية خراسان) في عام 2015 عن وجوده في افغانستان تزامنا مع الانتصارات المؤقتة التي حققها التنظيم في الساحة العراقية السورية، وعلى الرغم من أنه لم يحقق نجاحا كبيرا في ذلك البلد، فقد نفذوا هجمات إرهابية في بعض الأماكن مما أثار مخاوف الناس والمسؤولين في أفغانستان والبلدان المجاورة.
ومنذ إعلان وجود هذا التنظيم في أفغانستان، لم تكن علاقات طالبان معهم سلمية، حيث حدثت مواجهات بين التنظيمين في أماكن عديدة مما ادى الى وقوع قتلى بينهم.
وبطبيعة الحال، كان من المتوقع مع رسالة قيادة الطالبان الموجهة إلى أبو بكر البغدادي في عام 2015، ألا تكون لحركة طالبان وتنظيم داعش علاقات جيدة في أفغانستان. وفي الأساس، ان طالبان لا تقبل بأي مواجهة في أفغانستان اذا لك تكن تحت مظلتها، كما أكدت الرسالة الموجهة الى داعش، انها إذا رغبت بالنشاط في أفغانستان، فينبغي أن تكون ضمن الإطار الذي تضعه حركة طالبان.
وتشير الأحداث التي حدثت بين طالبان وتنظيم داعش الارهابيين في أفغانستان، الى عدم توقُع تشكيل تحالف أو تنسيق استراتيجي بين التنظيمين في المستقبل، على الرغم من أنه لا ينبغي استبعاد إمكانية التعاون بين الطرفين في بعض نقاط الإلتقاء ضد العدو المشترك.
ويجب على جيران أفغانستان، ولا سيما جمهورية إيران الإسلامية، أن يأخذوا في اعتبارهم أن داعش في أفغانستان يعتبر عدوا أسوأ من طالبان بدرجات، وأن تنامي قدرة طالبان (وإن كانت في احتمال ضعيف) ليست في مصلحة أي من بلدان المنطقة، وان الدول الوحيدة التي ستستفاد من تنامي قدرة داعش، هي الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.