الوقت - أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق يوم "الاثنين 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017" حكما بـ"عدم دستورية" الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان العراق على استقلاله في الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر الماضي. وأكدت المحكمة، وهي أعلى سلطة قضائية في العراق، في بيان لها "عدم دستورية الاستفتاء، وإلغاء الآثار والنتائج كافة المترتبة عليها".
وعقب صدور قرار المحكمة العليا، أعرب مكتب رئيس الوزراء، "حيدر العبادي"، عن ترحيبه بالحكم القضائي الذي أصدرته المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية الاستفتاء الذي جرى يوم 25 ايلول 2017 في كردستان وإلغاء الاثار والنتائج كافة المترتبة عليه.
وذكر البيان الصادر عن مكتب العبادي أن "قرار المحكمة جاء معززا لموقف الحكومة الدستوري في بسط السلطة الاتحادية ورفض الاستفتاء وعدم التعامل معه"، ودعا البيان "الجميع الى احترام الدستور والعمل تحت سقفه في حل جميع المسائل الخلافية وتجنب اتخاذ أية خطوة مخالفة للدستور والقانون".
موقف أربيل
جاء موقف أربيل مفاجئاً وغير متوقع، حيث تحفظت حكومة الإقليم عن القرار واعتبرته "أحادي الجانب"، ودعت إلى تدخل المجتمع الدولي كطرف ثالث لإنهاء اللغط في تفسير مواد الدستور، وجاء هذا الكلام على لسان رئيس حكومة اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، الذي رفض ضمنيا قرار المحكمة، وبهذا يكون نيجيرفان قد عمق الخلاف بين الاقليم وبغداد من جهة وداخل الاقليم نفسه من جهة أخرى، خاصة أنه طالب بتدخل طرف ثالث بين الاقليم وبغداد وهذا الأمر كفيل بعرقلة المفاوضات وتعقيد الأمور أكثر من السابق، ويطرح في الوقت نفسه مجموعة من الأسئلة حول هوية الطرف الثالث ومدى مصداقيته وهل ستقبل بغداد به أم لا؟!.
كما قال، بأن "الولايات المتحدة تريد اقليم كوردستان قوياً في اطار عراق فيدرالي موحد".
وفي هذا الصدد، لابد من الإشارة لبعض النقاط في كلام بارزاني:
أولاً: هل سيكون للولايات المتحدة الامريكية دور في هذه القضية؟!
كان لافتا في حديث بارزاني مطالبته بطرف ثالث يضمن احترام الدستور وتنفيذه، وبعد ذلك استطرد بارزاني بالقول إنه تحدث بهذا الأمر مع ممثل الرئيس الامريكي في التحالف الدولي بريت ماكغورك وأيضاً مع وزير الخارجية الامريكي ريكس تيلرسن، ومن هنا نجد أن السيد بارزاني يريد أن يعطي للولايات المتحدة الأمريكية دورا جديدا في العراق بعد أن فشلت كل محاولاتها السابقة في الحصول على أي دور فعال داخل العراق، خاصة أنها لا تملك تاريخاً جيداً في هذا البلد الذي عانى بسببها الكثير وكان على وشك التقسيم لولا ظهور قوى وطنية من داخل النسيج العراقي دافعت عن أرضها وأبعد خطر التقسيم عن العراق، واليوم يريد البارزاني إعادة أمريكا إلى الواجهة في قضية حساسة وهذا يجعلنا نتساءل عن مدى جدية بارزاني في إنهاء الخلاف والمضي قدما في مفاوضات جدية تعود بالخير على العراق وشعبه داخل الاقليم وخارجه.
ثانياً: طرح معادلة خطيرة تمثلت بوجود طرف ثالث في المحادثات بين أربيل وبغداد
كان واضحا أن لزيارة ماكغورك إلى اربيل يوم الخميس الماضي أثرا بالغا على كلام نيجيرفان، خاصة أن الزيارة جاءت في توقيت يبعث على الشك في دور أمريكا التخريبي الجديد في العراق، وإذا دققنا في كلام بارزاني نجد أنه يعطي رسائل واضحة عن نتائج الزيارة التي قام بها ماكغورك إلى اربيل والتقى فيها عدد من الشخصيات السياسية، وكان واضحا من كلام بارزاني أنه يريد ان تكون الولايات المتحدة هي الطرف الثالث في المفاوضات أو المحادثات مع بغداد، هذا الاقتراح الجديد يتضمن عدة رسائل مهمة:
1- لايمكن للحكومة العراقية أن تملك سلطة التفاوض مع إقليم كردستان بشكل مباشر.
2- إذا وصل الطرف الثالث إلى المفاوضات، فسوف يؤثر بشكل سلبي على استقلال العراق وسيادته.
3- إذا بدأت المفاوضات بحضور الطرف الثالث، سيتم إلغاء مسألة إلغاء الاستفتاء رسميا.
لذلك يمكننا اعتبار خطة الطرف الثالث للتفاوض معادلة خطيرة لأنها تقضي على إنجازات الحكومة المركزية في منع تقوية الأصوات الانفصالية والاستقلال السياسي للعراق.
رفض أمر المحكمة وتضييق الخناق على الاقليم
اذا أخذنا بعين الاعتبار ردة فعل نيجيرفان تجاه قرار المحكمة الاتحادية، والذي يمكن اعتباره متغيرا هاما في الوضع الراهن في اقليم كردستان الذي يواجه مجموعة من التحديات الخطيرة أبرزها الأزمة الاقتصادية الحالية، فبعد السيطرة على كركوك من قبل قوات الحكومة المركزية، واجهت حكومة اقليم كردستان أزمة اقتصادية كبيرة لأنها فقدت جزءا كبيرا من عائداتها النفطية. وقد أدى ذلك إلى خلق توترات كبيرة داخل إقليم كردستان، وبدأت الأطراف داخل الاقليم توجه أصابع الاتهام لبعضها البعض، لذلك ما صرح بارزاني لن يصب في صالح الاقليم بالدرجة الأولى ولن يخدم المفاوضات مع بغداد.
في مقابل ذلك، دعت أحزاب من داخل الاقليم تمثلت بـ"تحالف الديمقراطية والعدالة، وحركة التغيير، والجماعة الإسلامية الكردستانية"، إلى إنضاج فكرة الحكومة الانتقالية وحل الحكومة الحالية، بعد أن فقدت سلطات إقليم كردستان مصداقيتها أمام مواطنيها والمجتمع الدولي.
ومن هنا نجد أن نيجيرفان من خلال تصريحاته ورفضه الضمني لقرار المحكمة العليا وطلبه وجود طرف ثالث للتفاوض مع بغداد يضيق الخناق أكثر وأكثر على الاقليم ويسمح للولايات المتحدة التي بات واضحا أنها لاتريد الخير للعراق والعراقيين بالتدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد الذي بدأ يتعافى من التنظيمات الارهابية، وبالتالي فإن هذه المحاولات لن تصب في خدمة العراق ولا في خدمة الاقليم.