الوقت- ما يزال الحديث عن زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى بغداد بين تأكيد وتأجيل وتفنيد.
رغم أن أكثر من مصدر أكد أن الزيارة ستأتي مطلع الشهر المقبل، الامر الذي فتح باب التحليل والتأويل لدى النخبة والعامة من العراقيين، في أسباب الزيارة ومضمونها وتوقيتها، وهو ما زاد من التشكيك بما يدور خلف كواليسها، بعد تحول سعودي فجائي دراماتيكي ترجم برغبة في تغيير قواعد اللعبة ازاء بغداد، كل هذا برعاية محمد بن سلمان.
في ظل أجواء اقليمية طبيعية خالية من التشنج والتعقيد، لم يرفض العراق في المبدأ التقارب السعودي وان لم يرق حد الترحيب قلبا وقالبا، لكنه عندما يأتي على حساب ادخال بغداد الفتية باستقرارها في دوامة من الصراعات والازمات، فهذا ما يزيد من المخاوف لدى الاوساط العراقية.
يجري الحديث عن الزيارة السعودية الى بغداد بالتزامن مع ما يطفو على المشهد الاقليمي من أزمات ساخنة تعود خيوطها الى الرياض مباشرة، حروب ثلاث يقودها الشاب المراهق "محمد بن سلمان"، الاولى عسكرية استنزافية طويلة في اليمن، والاخرى سياسية مرهقة مع قطر التي يبدو أن الرهان على استسلامها بسهولة لم يك موفقا، والثالثة الاشد هي المستنقع اللبناني الذي دخلته مع احتجاز رئيس وزرائه اسيرا وتقديم استقالته في محاولة لتأجيج صراع جديد في المنطقة، وكل هذا الى جانب تفاقم الازمة الداخلية السعودية ولعبة الاعتقالات والتصفيات تحت مسمى الاصلاحات ومحاربة الفساد.!
تبحث السعودية اذن عن يد تتسلى بها كمخرج لازماتها من جانب، ومن جانب آخر لادخالها الى ساحة المواجهات بالنيابة بدلا عنها وسط غياب ملحوظ لحلفائها الاقليميين، كتركيا ومصر التي تعول عليهما بالعادة في ظروف كهذه، القاهرة التي رفضت الانخراط في لعبة سياسات "بن سلمان" تجاه افتعال الازمة اللبنانية والحرب على اليمن، وأنقرة التي اصطفت الى جنب حليفتها الدوحة وشركتيها موسكو وطهران اقليميا في المرحلة الحالية ازاء حلحلة الازمة السورية. وسط فوضى الاحلاف والتركيبات في الساحة الاقليمية اذن يبدو أن الرياض تراهن على أصوات بدت محايدة كبغداد.!
تطورات المنطقة المتسارعة وما يعصف فيها من أزمات، حجمت من نسبة التفائل بالزيارة السعودية الى بغداد لدى أطراف سياسية عراقية، في وقت يقف البلد فيه على أعتاب مرحلة جديدة، عنوانها سياسة احتواء التوتر وتصفير الازمات مع الجوار والمحيط الاقليمي والدولي، والنهوض بواقع البلد الاقتصادي والخدمي وجذب الاستثمار واعادة الاعمار وتقليص الخلافات الداخلية أبرزها مع أربيل والاستعداد الى انتخابات هامة ومصيرية، هذا وغيره يرجح كفة الداعين الى الغاء استضافة بن سلمان وتأجيلها حتى اشعار آخر.!
ولعل التقارب العراقي القطري مؤخرا والانطلاق نحو فتح صفحة جديدة ما بين البلدين يؤكد على اصرار بغداد نحو الالتزام بسياسات محايدة، بيان الخارجية العراقية الذي جاء فيه " ان العراق لن يكون جزئا من المشاكل الحالية في المنطقة" بالاضافة الى الدعوة الرسمية الموجهة الى رئيس الوزراء القطري (عبد الله بن ناصر آل ثاني) لزيارة بغداد، والاعلان الذي جاء على لسان وزير الخارجية القطري "محمد بن عبد الرحمن" خلال المؤتمر الصحفي في الدوحة مع نظيره العراقي عن قرب افتتاح السفارة القطرية في العاصمة العراقية، علاقات الدوحة ببغداد لا تتناغم مع سياسة الرياض بالمطلق!
رغم أن بغداد وجدت باعادة استقرارها الامني وانعدام المفخخات والانتحاريين مؤخرا جاء مع اقترابها من الرياض وانفتاحها عليها، الا أنها مصرة في أن لا تغامر في الوقت الراهن بادخال البلد في معترك حرب جديدة بعد ما حققته من انتصارات ودحر للارهاب المدعوم من مشايخ السعودية برأي معظم العراقيين.!