الوقت- بعد مرور شهر على توقيع اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية والزيارة التي قام بها وفد فتح إلى قطاع غزة لا زال السؤال الأهم الذي يشغل بال الجميع هو مستقبل المقاومة وبالخصوص حركة حماس التي دخلت المصالحة تحت ظل الضغوطات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية التي يعيشها أهالي القطاع المحاصر منذ سنوات.
الأسباب التي دفعت إلى المصالحة
تختلف أسباب ودوافع حركة حماس عن فتح لدخول المصالحة الوطنية، وانطلاقا من اختلاف الدوافع تختلف بالتالي الأهداف التي يريد الطرفان تحقيقها من هذه الخطوة، سنحاول هنا استعراض الدوافع والسيناريوهات الممكنة التي تواجه حماس في المستقبل والتي تخضع لمؤثرات ومؤامرات داخلية وخارجية توجب العمل بحذر حتى لا تنجر الحركة إلى مكان لا تريد الوصول إليه.
حماس ما انفكت خلال السنوات الماضية تسعى لإيجاد حلول وصولا لمصالحة وطنية حقيقية تجمع الفلسطينيين تحت سقف واحد وتعيد تصويب البوصلة نحو القضية الأساس والعدو الرئيسي، واتفاق المصالحة الأخير يأتي ضمن نفس السياق مع وجود أسباب أكثر من ذي قبل توجب هذه الخطوة. هذه الأسباب عبر عنها وبصراحة قياديو الحركة داخل قطاع غزة وهي الحالة المعيشية والاقتصادية والاجتماعية التي وصلت إليها الأمور داخل القطاع. تتحدث الأرقام عن وجود 65% يعيشون تحت خط الفقر ومستويات غير مسبوقة من البطالة. (طبعا تلعب حكومة الضفة وعلى رأسها محمود عباس دورا أساسيا في رفع هذه المستويات).
التوجه لحلّ هذه الأزمات كان العنوان الرئيسي لقيادة الحركة خاصة بعد تسلم الشخصيات الغزّية زمام الأمور (إسماعيل هنية ويحيى السنوار)، أكدّت القيادة الجديدة للحركة ومنذ البداية على ضرورة حلّ الوضع المعيشي من جهة وعلى إعادة تصويب الروابط السياسية للحركة مع الدول المختلفة التي تعرّض بعضها لنكسات خلال السنوات الماضية بسبب سياسات القيادة السابقة.
السيناريوهات المحتملة
وحتى لا نتشعب كثيرا في طرح الاحتمالات والسيناريوهات الممكنة مستقبليا سنحاول اختصارها بسيناريوهين رئيسيين يختصران الهدف الحقيقي الذي تريد حماس تحقيقه والهدف الآخر الذي يريد البعض جرّ الحركة إليه.
السيناريو الأول: التحول لحزب الله فلسطين
يقول هذا السيناريو وهو المفضل بالنسبة لحماس، لو تمكّنا من تحرير الحركة من موضوع الحكومة والخدمات في القطاع سوف نستطيع التفرغ للإعداد العسكري لمواجهة العدو الإسرائيلي. وسوف تعود فائدة الخدمات التي تقدمها الحكومة (حكومة بقيادة فتح) بشكل وبآخر على الحركة من عدة جهات. فهذه الخدمات ستطال شرائح شعبية كبيرة مؤيدة للحركة من جهة كما أن فكّ الحصار عن القطاع سيساعد في تدفق المواد التي تحتاجها حماس لاستكمال بناء هيكلها العسكري والتنظيمي.
طبعا هذا السيناريو لن يكون سهل التطبيق، وقد بدأ بالفعل محللين ومسؤولين صهاينة بالحديث حول المخاطر الحقيقية التي تتهدّد الكيان في حال تمكنت حماس من الحفاظ على سلاحها بعد تحقيق المصالحة. حتى محمود عباس أعلن صراحة أنه لن يسمح لحماس أن تتحوّل إلى نموذج حزب الله فلسطيني. مما يؤكّد النية الحقيقية وراء المصالحة.
السيناريو الثاني: جرّ الحركة إلى مسير فتح وأوسلو
حقيقة الأمر أن الهدف النهائي لمختلف الوسطاء الذين يعملون على خط المصالحة الفلسطينية هو سوق المقاومة باتجاه تكرار نموذج فتح وتحويلها بالتالي إلى حركات قبلت السلام مع العدو الإسرائيلي، فبدل أن تكون مقاومة للعدوان تُصبح شرطة حماية حدود له. وبالفعل بدأ الحديث حتى من قبل فتح عن ضرورة قبول حماس رسميا بالكيان الإسرائيلي للسماح لها بالمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية المزمع تشكيلها.
طبعا بعض الوسطاء لديهم مصالح تكتيكية أخرى يسعون لتحقيقها، فمصر مثلا تريد الحفاظ على أمن حدودها مع قطاع غزة وضبط حركة التهريب الموجودة هناك. وأمريكا تسعى لتحقيق ما تسميه "صفقة القرن" والوصول إلى حل الدولتين.
خلاصة
الوضع الاجتماعي والاقتصادي المؤسف في قطاع غزة، إضافة إلى التهديدات الأمنية الحقيقية التي تواجه حماس والحراك العربي الخليجي للتطبيع العلني مع الكيان كلها أمور مقلقة لحماس ولفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى، لذلك فإن أي قرار أو موقف يصدر من القيادات الفلسطينية للمقاومة وخاصة قيادة حماس يجب أن يكون مدروسا بعناية. فحماس تريد تخفيف الضغط عن أهالي غزة والتفرغ لمقاومة العدو الإسرائيلي والآخرين يسعون لزجّها في مسير يوصلها لتصبح شرطة حدود (على أكثر تقدير) للعدو نفسه. إنه مسير محفوف بالألغام ولكن ليس بألغام عسكرية أتقنت حماس فنّ تخطيها وضرب العدو بها، إنها ألغام من نوع ناعم لو فتكت بالحركة لحولّتها عن مسيرتها وتاريخها المشرّف في مواجهة إسرائيل إلى مسير التطبيع والذلّ الذي امتهنه بعض العرب.