الوقت- بقيت مدينة الرقة السورية بيد تنظيم داعش الإرهابي لسنوات، وكانت من أهم معاقل التنظيم في سوريا، إضافة إلى أنها من أهم مقاصد استقرار من يسميهم التنظيم بالمهاجرين (المنضمين للتنظيم من بلاد الشرق والغرب) حيث تمكن التنظيم من تسيير أموره هناك وإقامة نوع من الحكومة والنظام المحلي.
طبعا حاولت الكثير من التقارير الإخبارية والميدانية الإضاءة على حقيقة الوضع وسير الحياة هناك (وبعضها بث صور ومقاطع مُلتقطة بالسرّ من داخل المدينة). لكن تبقى بعض الحقائق خفية، حتى بدأت تتكشف بسقوط المدينة بيد قوات سوريا الديمقراطية، إنها قصة امرأة بلجيكية من أصول مغربية التحقت بالتنظيم وتم القبض عليها مع كمبيوترها المحمول من قبل "قسد"، فما الذي اكتشف في الكمبيوتر وما هي المواقع التي تصفحتها وما هي اهتماماتها اليوتيوبية؟
ليس من المستغرب أن تقوم هذه المرأة ومن قد يستفيد أيضا من كمبيوترها بتصفح المواقع التي تبث أخبار تنظيم داعش باستمرار، ومن الطبيعي أن تتابع محاضرات ودروس لرموز دينية من داعش أو القاعدة. أما الغريب والمستهجن من أشخاص كهؤلاء هو المواقع الأخرى والأفلام الإباحية المخزنة على ذلك الكمبيوتر.
تلك المرأة استمرت بالتواصل عبر شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك، وتصفحت مواقع تعليم الطبخ وكانت مولعة (هي ومن معها) بأفلام القراصنة في البحر الكاريبي. إضافة إلى متابعة مباريات فريق كرة القدم "اجاكس" الامستردامي. ولم تقطع يوما تواصلها عبر "التشات" مع أصدقاء منهم متطرفون لا زالوا في بلجيكا.
إذا تناقض واضح بين الخلفية العقائدية التي حاول التنظيم الإرهابي بثها في صفوف مريديه، وبين حقيقة الاهتمامات التي شغلت بال هذه المرأة الشابة ومن كان يستفيد معها من هذا الكمبيوتر. يؤكد أرشيف المواقع المتصفحة عبر هذا الجهاز على ولوج مواقع تبث أفلام إباحية بشكل متواتر إضافة إلى المواقع الداعشية.
الأفلام الهوليوودية بدورها حظيت بحصة كبيرة من اهتمام هذه المرأة ورفاقها، إضافة إلى متابعة الأحداث الإرهابية التي تبناها التنظيم في أكثر من نقطة من العالم كهجوم برشلونة.
هذه المرأة ليست الوحيدة، إنها واحدة من أكثر من 500 حالة مشابهة قدمت من بلجيكا، يقال أن منهم 100 قد قُتلوا على الأقل (ألقي القبض على بعضهم في العراق بعد تحرير مدينتي الموصل وتلعفر). واللافت أن هذه المرأة وقبيل سقوط المدينة بيد قوات قسد قد قامت ببحث على أحد محركات البحث في الانترنت عن كلمة "أودّ أن أترك داعش". وكأنها كانت قد وصلت إلى مرحلة نفسية صعبة فبدأت بالتفتيش عن السبل للهروب مما هي فيه. (تقول بعض التقارير أن الكثيرين ممن انضموا إلى داعش في البداية ندموا على فعلتهم اليوم، بعد أن اكتشفوا أن ما أرادوه وحلموا به ليس هذا الإجرام والتطرف).
اللافت أيضا أن هذه المرأة وقبل أيام قليلة من سقوط المدينة أدركت أن الرقة ستقع بيد قوات قسد فقامت ببحث على الانترنت عن عبارة "ماذا تفعل قوات سوريا الديمقراطية مع إرهابيي داعش؟". سؤال من المؤكد أنها لم تجد له جوابا على الانترنت، الجواب حصلت عليه اليوم بعد وقوعها بالفعل بيد هذه القوات.
أمر بالشكل صعب تصديقه، ولكن العالم بحقيقة تنظيم داعش الإرهابي والخلفية الثقافية الفارغة، يُدرك أن أي شخص استهوته شعارات التنظيم من الجهاد وفكرة تأسيس دولة إسلامية في البدايات سيصل لما وصلت إليه هذه المرأة عاجلا أو آجلا. ولذلك تنهار قواته بسرعة أمام ضربات القوات الوطنية والإسلامية الحقيقية التي تحمل خلفية إيمانية ووطنية حقيقية لا يمكن زعزعتها.