الوقت- عوامل كثيرة أجبرت أعداء سوريا بالأمس على الالتفاف حول مواقفهم السابقة وسلوك نهج جديد اتجاه النظام السوري وعلى رأسه الرئيس بشار الأسد. عوامل تتعلق بمجريات الميدان من جهة وبإحساس الخطر الذي بات يتهدد هذه الدول في داخلها، إضافة إلى عامل جديد مساعد هو العامل الاقتصادي والأطماع التي تحرك هذه الدول اليوم من أجل الحصول على حصة ما في إعمار سوريا الذي يفترض أن يبدأ بمجرد انتهاء الأزمة.
ليس من المبالغة القول أن الدول الأوروبية كانت على رأس داعمي المعارضة السورية حتى أنهم شكلوا ما سُمي بمجموعة أصدقاء سوريا في مرحلة معينة لينقلبوا اليوم على هذه الصداقة والدعم ويكشفوا ظهر المعارضة التي فشلت في تحقيق أي من أهدافها على الساحة السورية.
وصل الأمر بالأوروبيين إلى مرحلة قالت فيها وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي "فردريكا موغريني" أن الأوروبيين لن يساهموا في إعادة إعمار سوريا إلا بعد تحقيق انتقال السلطة.
اللطيف في الاتحاد الأوروبي هو الواقعية، فاليوم ولأسباب يعلمها الجميع تراجعت أوروبا عن شرطها لتقبل بوجود الرئيس الأسد حتى خلال المرحلة الانتقالية، بل أكثر من ذلك تتقاطع المعلومات الصحفية لتؤكد أن بعض سفراء الدول الأوروبية يقومون بالضغط على رموز المعارضة للموافقة على بقاء الأسد. ناهيك عن فتح قنوات التعاون الأمني بين بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا ودمشق من أجل التعاون في ملفات مكافحة الإرهاب ومعالجة أوضاع المهجرين والنازحين.
هذا الأمر ليس مجرد معلومات صحفية غير مؤكدة، بل إن مصادر المعارضة السورية المتضررة من هكذا أمور أكدت توجه وفد أمني أوروبي إلى دمشق وعقده لقاءات مع أمنيين سوريين بهدف فتح قنوات تبادل معلومات وتعاون أمني في ملفات لم تكن موضع اهتمام للأمس القريب. (من أهم الأسباب موجة التفجيرات الإرهابية التي استهدفت مدن أوروبية فأجبرتها على الاستيقاظ وتخطي الشروط السابقة على دمشق).
تؤكد مصادر سورية مطلعة أن الجانب السوري رفض أي تعاون غير رسمي، وطلب من موقع القوة أن يتم هذا الأمر عبر القنوات السياسية الطبيعية وعبر تفعيل عمل السفارات بين الجهتين.
هذا التغيير في الموقف الأوروبي ليس تكتيكيا بل تغيير استراتيجي وما يؤكد هذا الأمر التوصيات السياسية التي تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي أوصى مؤخرا بأمور لافتة ومنها التأكيد على حفظ استقرار المناطق السورية الواقعة تحت سلطة النظام، كما أنه أشار إلى الدور الإيراني في سوريا على أنه دور مساعد في حل الأزمة وليس العكس كما يحاول الأمريكيين الإيحاء.
إضافة إلى ما ورد تؤكد أوساط في المعارضة أن موغريني تعكس توجه أوروبي للمساهمة في عملية إعادة إعمار سوريا انطلاقا من المناطق التي يسيطر عليها النظام وليس المناطق التي لا زالت تحت سيطرة المعارضة. هذا التوجه يؤكد أيضا التحول الاستراتيجي في الموقف الأوروبي.
طبعا الأوروبيين يسعون اليوم لتحقيق عدة أهداف في وقت واحد، ومن أهم أهدافهم الحصول على حصة كبيرة من عملية إعادة الإعمار، العملية التي أكدت دمشق مرارا في أوقات سابقة أن الأولوية فيها هي للحلفاء ممن وقفوا إلى جانب الشعب السوري وليس لمن أمن الدعم للإرهابيين في تدمير سوريا أرضا وشعبا.
الطرف الأوروبي إذا باتت استراتجيته واضحة أما بقية الأطراف والتي يمكن اختصارها بطرفين أساسيين وهما تركيا من جهة والسعودية وحلفائها من جهة أخرى، يبدو أنهم يسلكون نفس النهج الأوروبي ولو على مضض وخاصة بالنسبة للسعودية. فتركيا أعلنت رسميا دعم العملية السياسية والموافقة على بقاء الأسد في الحكم أما السعودية وعلى رغم التعنت الذي تظهره المعارضة المرتبطة بها إلا أن الواقع يلزمها بسلوك نفس النهج.
فمنصة الرياض تدرك جيدا ومن خلفها النظام السعودي أن القرار الدولي قد اتخذ بإنهاء الأزمة السورية ولو اختلفت التصريحات التي تصدر من هنا أو هناك. وباتت في موقع المجبر على هذا الأمر كون الواقع الميداني والسياسي لم يعد يساعد المعارضة الضعيفة أصلا. ناهيك عن المشاكل الخاصة بالسعودية في محيطها.
هذا وتشير المعلومات إلى أن سلمان وخلال زيارته الأخيرة لروسيا سمع كلاما فيه تأكيد روسي على ضرورة إنهاء الأزمة السورية وقد أرضى الروسي بدوره بكلام أكد فيه الموافقة على الحل السياسي في سوريا، وهذا يعكس حقيقة الموقف السعودي الذي وافق على إنهاء الأزمة مع المحافظة على نبرة تصريحات حادة اتجاه النظام السوري، وقد يكون السبب أن السعودية متيقنة من عدم حصولها على أي حصة لا سياسية ولا اقتصادية من إنهاء الأزمة في سوريا.
طبعا الأطراف الأخرى المقربة من دمشق بدورها تسابق الوقت حاليا من أجل تحرير ما تبقى من مساحات يسيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي، وعلى المستوى السياسي لا تهدأ حركة الاتصالات السياسية التي تقوم بها هذه الدول وعلى رأسها روسيا تمهيدا للإعلان رسميا عن مرحلة الحل السياسي والمرحلة الانتقالية التي ستبقي على شخص الرئيس بشار الأسد في سدة الحكم لسنوات أخرى.