الوقت- لم يكن موقف وزير الخارجية الجزائري، عبد القادر مساهل، حول مساعي بلاده لعودة سوريا إلى الجامعة العربيّة بالأمر المستغرب، كونّها من أوائل الدول العربية التي كسرت الحصار السياسي المفروض على دمشق.
الجزائر التي تربطها علاقات تاريخية مع سوريا، ويُسجّل لها وقوفها إلى جانب الأخيرة في أزمتها، يُسجّل لها أيضاً مواقفها التي تتّسم بالاتزان والواقعية مع الجميع، بدءاً من السعوديّة مروراً بقطر، وليس انتهاءً بايران التي لا تؤثر على علاقاتها مع الدول العربية، وفق الوزير الجزائري الذي شدّد في كلامه على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة على ضرورة تسوية جميع الخلافات في المنطقة.
الجزائر التي تربطها علاقات جيّدة بأغلب الدول العربية، عدا أزمتها القائمة مع المغرب بسبب الصحراء، تعدّ أحد دول رأس الحربة في مواجهة الكيان الإسرائيلي، ولعل مطالبتها اليوم بعودة دمشق إلى هذا الصرح العربي، وقبلها مطالبة العراق، تأتي في إطار المواجهة القائمة في الكيان الإسرائيلي الذي يسعى لتقسيم دول المنطقة، كالعراق وسوريا واليمن، ولاحقاً مصر ودول أخرى إلى قرى صغيرة بما يخدم مصالحه والمصالح الأمريكية عبر تغيير ورسم خرائط جديدة للمنطقة عبر عملية تبدأ بأزمة سياسية ثم يجري إلى تعقيدها بعناوين طائفية ومذهبية وعرقية، وللأسف هذا يتمّ بتعاون عربي.
بدا لافتاً تزامن الكلام الجزائري الجديد مع الحضور السوري الفاعل في الجامعة العربيّة عبر كلمة لوزير الخارجيّة وليد المعلّم الذي يحضر بقوّة على منبر الأمم المتحدة، إلا أن تواطئ بعض الدول العربية التي تعيش اليوم فيما بينها أزمة دبلوماسيّة ( الأزمة الخليجية) قد تدفع بأحد أطرافها للتسابق نحو سوريا، وربّما المطالبة بعودتها للجامعة.
لا يعدّ هذا المطلب جزائرياً فحسب، بل هناك العديد من الدول العربيّة تمتلك الموقف نفسه دون إعلانه، ولكلّ أسبابه. على سبيل المثال، ورغم الدعم المصري الواضح للرئيس السوري بشّار الأسد وهو ما أدّى في مرحلة سابقة إلى توتير العلاقات المصرية السعوديّة، وبالتالي فإن "البرستيج" المصري الذي يأبى المطالبة بإعادة مقعد سوريا لأنه قد يطرأ عليها اعتراض سعودي خليجي، وهذا ما لا تريده القاهرة حاليّاً.
كلام الوزير الجزائري هو لسان حال العديد من الدول العربيّة، وعلى وجه التحديد تلك الدول التي تمتلك مشاركة فاعلة في حربي العام 1967 و 1973، أي العراق ومصر والجزائر وسوريا. وكما يقول المثل، تعرف الأشياء بمعانيها وأضّدادها، فإذا كانت هذه الدول العربية هي الداعمة لعودة سوريا، في حين أن الكيان الإسرائيلي هو من أثنى على خطوة إخراج سوريا من الجامعة العربية، وكذلك الأمر بالنسبة لتقسيمها، فإليكم النتيجة حو الدول العرية التي لا تزال تدعم تقسيم سوريا، خفية، وبقاءها خارج الجامعة العربية علنيّة. بطبيعة الحال، هناك العديد من الشعوب تمتلك مواقف داعمة لوحدة سوريا واستقرارها، ليس آخرها لقاء عدد من أعضاء مجلس الشعب السوري وفد الحملة الشعبية المصرية لعودة العلاقات المصرية السورية، حيث أكد الطرفان على ضرورة تفعيل دور مصر لعودة العلاقات بين البلدين الشقيقين، وبعدها وفد برلماني موريتاني خاطب الرئيس الأسد بالقول: سوريا هي في قلب كل موريتاني.
ما بدا أشدّ لفتاً على منبر الأمم المتحدة هو تجنّب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بلده أحد أبرز الدول التي عملت على تجميد عضويّة سوريا في الجامعة العربيّة، إدانة "اسرائيل" في الامم المتّحدة واستخدامه عبارات فضفاضة تؤكّد مساعي التطبيع القائمة بين البلدين، والتي نرى تجميد عضويّة سوريا أحد مفاعيلها، حتى لا تعمد دمشق إلى تعطيل أيّ قرارات صادرة عن الجامعة. الجبير الذي تعيش بلاده أوضاع داخليّة صعبة، حملات اعتقال، وأخرى خارجيّة لا تحسد عليها، العدوان على اليمن والأزمة الخليجية، قال إنّ السعوديّة لا ترى مبررا لاستمرار "النزاع" الفلسطيني الإسرائيلي في ظل التوافق الدولي بشأن الحل القائم على دولتين، دون أن يدين الاحتلال الإسرائيلي أو يحمّل "إسرائيل" مسؤولية استمرار الصراع. السعوديّة السبّاقة في استخدام مصطلح الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بدل الصراع العربي الإسرائيلي، تُدخل اليوم مفردة نزاع على القاموس السعودي، بعد أن كانت في السابق كلمة "احتلال" هي المفردة المستخدمة، واللازمة والواقعية.
الجامعة العربيّة اليوم، تحتاج إلى إعادة هيكلة كونها باتت ترتهن في بعض قراراتها لدول عربية تسعى للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، بخلاف رؤيتها الرئيسية المتمثّلة بالقضيّة الفلسطينية، وهذا ما دفع البعض للرد على الوزير الجزائري بطريقة تهكّمية، على الجامعة وليس الوزير، عبر أحد الصحف العربية قائلاً: يا معالي الوزير ماذا فعل لك الاخوة السوريون، حتى تريد ان ترجعهم إلى وكر التامر هذا الذي يسمى الجامعة العربية ، وهو في الواقع محمية عبرية.
قد تبدو العبارة مضحكة للبعض، إلا أنها حقيقة تدمي القلب حيث باتت نتائج ما يسمّى بـ"الربيع العربي" تدفعنا للترحّم على الأنظمة السابقة رغم كلّ مساوئها. لذلك لا بدّ من تحرّك شعبي واسع يعيد إلى الجامعة العربية بريقها الفلسطيني، في حين أن تاريخ الشعب السوري، وبطولاته في الجامعة العربية يؤكدان أن الجامعة من تحتاج سوريا قبل احتياج الأخيرة للأولى، فالجامعة العربية اليوم تبدو أكثر عزلة من سوريا!