الوقت- لطالما حاول الأردن، جار الجنوب السوري، أن يكون أكثر ليونة من جارها الشمالي، تركيا. الأردن الذي حاول في العديد من المحطّات إظهار نوعاً من الحياديّة، كانت منطلقاً للهجمات التي استهدفت الجنوب السوري ومقرّاً لغرفة عمليات "الموك" التي سقطت بمفاعيل الميدان.
ولكن، يبدون أن الجانب الأردني قد ركب موجة التبدّلات بشكل علني على وقع إعلان الرئيس الأسد فشل المشاريع الغربية في سوريا، والذي أشار في كلمته الأخيرة إلى تبدّل المواقف الدوليّة حيال سوريا.
هذه التبدّلات يمكن قرءاتها أيضاً في عنوانين الحصف العالمية حيث ذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية، أن مواقف بعض الدول الغربية ومن بينها بريطانيا قد تغيرت "جذريا" تجاه الصراع في سوريا، وذلك بعد تخليهم عن مطلبهم الذي تمسكوا به لفترة طويلة وهو رحيل الرئيس السوري، بشار الأسد، عن السلطة، وكذلك مواقف الدول الإقليمية ليس آخرها ما نقلته صحيفة الغد الأردنية، عن مصادر سياسية مطلعة، قولها إن الأردن يدعم وحدة الأراضي السورية، ووقف الاقتتال، واستمرارية عمل المؤسسات السورية.
الصحيفة التي تحدّثت عن آفاق مستقبلية للعلاقة مع الشقيقة سوريا، أكّدت أن الاردن يريد "استمرار عمل المؤسسات السورية، بشكل يحول دون وجود أي فراغ أمني هناك...و التوصل للتهدئة الدائمة سيفضي إلى فتح المعابر مع سوريا".
وبين الفراغ الأمني وفتح المعابر، لم يعد رحيل الرئيس السوري بشار الأسد شرطا مسبقا، إنما أصبحت الأولويّة لأغلب الدول، إعلامياً على الأقل، في الحرب على تنظيم "داعش" في الأراضي السورية، ولكن ما السبب في تبدّل الموقف الأردني؟
أسباب عدّة تفسّر الموقف الأردني الجديد، الذي يتماهى مع ما قاله وزير الدولة لشؤون الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المؤمني حول دعم بلاده للهدنة التي أعلنها الجيش السوري قبل شهرين في جنوب البلاد، أبرز هذه الأسباب:
أوّلاً: إن فشل الخيار العسكري، والتبدّل السياسي القائم في العديد من العواصم العالميّة دفع بالأردن لأن يخطو بثقة صوب"الشقيقة" سوريا. ويعتقد مراقبون أن مصلحة الجانب الأردني منذ اليوم الأوّل للأزمة بالوقوف إلى جانب سوريا، إلا أن الظروف الدولية، والضغوط الإقليمية التي تعرّض لها النظام الأردني أزاحت به الكثير من الشيئ نحو أعداء سوريا.
ثانياً: يبدو أن الجانب الأردني اقتنع تماماً بفشل الخيار العسكري ضدّ الجيش السوري خاصّة بعد الانتصارات الأخيرة ووصوله إلى الحدود الأردنيّة، الأمر الذي أبرز قناعة لدى عمّان بتوجّه الجبهة الجنوبيّة نحو الحل. وبالفعل، للمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية، شارك ممثلو كل من الحكومة والمعارضة المسلحة في محادثات حول سير عملية المصالحة في محافظة درعا جنوب سوريا. وجرت المحادثات بمبادرة من المركز الروسي لتنسيق المصالحة بين أطراف الأزمة السورية الواقع في قاعدة حميميم . وقد قال المتحدث باسم المركز، فيكتور شولاك: "نود الإشارة إلى أن كلا الجانبين أبديا ضبط النفس، مما أتاح مناقشة جميع المسائل من الناحية العملية والتوصل إلى موقف مشترك مفاده أن من الضروري حل جميع القضايا بشكل فوري بمساعدة الإدارة المحلية والموارد التي تقدمها قيادة الجمهورية العربية السورية، والمساهمة التي تمنحها روسيا وبعض المنظمات الدولية".
ثالثاً: لم يعد هناك خيار أمام الأردن سوى دعم الجيش السوري الذي نجح في كسر شوكة الإرهاب. إن دعم الجيش السوري اليوم هو حاجة أردنية أكثر منها سوريّة، لأن استقرار الوضع في سوريا سيدفع بالعديد من جيوب الإرهابيين للتوجّه نحو الأردن، وربّما تحويلها نقطة انطلاق أو ارتباط مع جماعات تكفيرية قد تشكّل تهديداً استراتيجياً للنظام الأردني. يتيح التعاون بين الجانبين، إضافةً إلى ضبط الحدود واجتناب وقوع أي هجمات على الجيش الأردني كما حصل سابقاً، إلى الاستفادة من بنك المعلومات الموجود لدى الجيش السوري سبق احصاءه خلال سنوات الأزمة السبع، بغية التعامل مع أيّ خطر إرهابي.
رابعاً: وإضافةً إلى الشقين الأمني والعسكري، يشكّل اللاجئون السوريون ورقة ضغط اقتصاديّة كبيرة على الجانب الأردني، وبالتالي لا بدّ من التنسيق مع الجانب السوري بغية إعادة النازحين إلى بلادهم، خاصّة أن هذه المخيّمات تضجّ بالمقاتلين الذيت تركوا جبهات القتال في الجنوب السوري مؤخراً منسحبين إلى ما وراء الحدود السوريّة الأردنيّة.
لا شكّ أن سوريا مهمة جدا للأردن، على كافّة الصعد، ومن ضمنها الاقتصاديّة باعتبار أن اقتصاد عمّان يعتمد على "إقتصاد العجلة" التي تحرك أسواق الشرق والشمال عبر النقل البري، ولعل التروّي الأردني من الانزلاق إلى حب على شاكلة تركيا، يفسّر المدّ والجزر السابق، الذي انتهى اليوم على الشاطئ السوري.