الوقت- يواصل الجيش السورّي رسم المعادلات العسكريّة على مختلف الجبهات.
فقد شكّلت الأشهر القليلة الماضية قفزة نوعيّة للجيش السوري في معركته ضدّ الإرهاب نجح فيها خلال شهرين فقط بالسيطرة على ما يقارب الـ74 ألف كلم مربع، من ضمنها العديد من المواقع الاستراتيجية في الخريطة السوريّة.
ولعل المتابعة الدقيقية لتفاصيل الميدان السوري خلال الأشهر الماضية تظهر حجم الإنجازات التي تحقّقت على أيادي الجيش السوري وحلفائه الذيّن كرّت سبّحة انتصاراتهم منذ الانتصار الكبير في معركة حلب الكبرى التي كانت بحقّ "فاتحة الانتصارات".
لم تتوقّف الانتصارات عند حدود حلب أو الوسط والجنوب، بل شملت كافّة التراب السوري تقريبا. فبعد تحرير تدمر، وخروج الجيش منتصراً في معركة البادية وصولاً إلى التنف، ها هو الجيش السوري يسطّر انتصارات جديدة في مرافق استراتيجية بدءاً من السخنة بريف حمص، وليس انتهاءً بمنطقة نصيب الحدودية مع الأردن لأول مرّة منذ خمس سنوات.
المُفاجآت السوريّة أرخت بظلالها على موقف تل أبيب الذي بدا عليه الكثير من الارتباك، لينهي نتنياهو حالة الترقّب بزيارة وفد أمني إسرائيلي رفيع إلى واشنطن. فقد كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن وفداً أمنياً إسرائيلياً يضم ئيس الموساد يوسي كوهِن هو من سيرأس الوفد، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، اللواء هيرتسي هاليفي، ورئيس القسم السياسي – الأمني في وزارة الأمن زوهار بالْتي، سيتوجه إلى واشنطن هذا الأسبوع لإجراء محادثات مع مسؤولين في البيت الأبيض والمؤسسة الأمنية الأمريكية. وقبل زيارة الوفد إلى واشنطن، عمد مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر إلى مناقشة الوضع في المنطقة عقب تمكن الجيش السوري من تحرير مدينة السخن، إضافةً إلى ما يجري في العراق بشكل عام، وتلعفر على وجه الخصوص.
المشهد الجديد يأتي معاكساً لما حصل قبل 5 سنوات عبر خسارة الدولة السورية لأغلب معابرها، فمع سيطرة الجيش على معبر نصيب الحدود، وقبلها الوصول إلى الحدود العراقيّة، يبدو أن الجيش السوري بدأ ببسط سيطرته على معظم المنافذ الرئيسية في البلاد، في ظل انكسار واضح لتنظيم داعش الإرهابي، إفلاس لما يسمّى بالحكومة السورية المعارضة، فضلاً عن تناحر العديد من الفصائل الإرهابية المسلحّة المحسوبة على دول إقليمية.
وتنطلق أهميّة السيطرة على المعبر الحدودي كونه يحدّ بشكل كبير من فاعلية غرفة "الموك" المجاورة في الأردن، إن لم يغلقها تماماً. وبالتالي، فإن "السيطرة على المنطقة الحدودية ستنعكس إيجاباً على المنطقة الجنوبية بشكل عام، خاصة في ظل تقدم الجيش السوري على مستوى المنطقة والبادية ككل"، وفق شيخ قبيلة النعيم، عضو مجلس الشعب السوري الشيخ محمد خير جاسم النادر. وانطلاقاً من هذا الواقع الميداني، سيعمد الجيش الإردني إلى التنسيق مع الجيش السوري وضبط الحدود، فضلاً عن عودة اللاجئين تدريجياً.
في حين أن انتصار "السنخة" الذي لا يقلّ أهميّة عن نظيره الحدودي، يعدّ مدخلاً طبيعياً لاستعادة دير الزور بعد طرد تنظيم داعش الإرهابي منها، والسيطرة على مرافقها النفطية، وكافّة مواردها الطبيعيّة. يكتسب انتصار السنخة أهمية استراتيجية كبيرة كون هذه المدينة هي حلقة وصل بين ريف حمص ومحافظة دير الزور شمالا والرقة شرقا.
جانباً آخر، تضفي أهميّته الانتصارات الأخيرة يتمثّل في حجم المساحة التي باتت تحت سيطرة الجيش السوري بشكل تام، حيث تعدّ المساحة التي سيطر عليها الجيش خلال الشهرين المااضيين هي الأكبر بتاريخ الأزمة السوريّة، بل إنها تفوق كافّة ما سيطر عليه الجيش سابقاً، وبالتالي يضاف إلى سجلّ الجيش السوري رصيد جغرافيا، كالرصيد الديمغرافي الذي يستحوذ عليه. بعبارة أخرى، كانت تتميّز الأراضي التي تقع تحت سيطرة الجيش السوري بثقلها السكاني، إلا أن الانتصارات الأخيرة أضافت مساحة جغرافيّةً واسعةً تختزن موارد طبيعية تحتاجها الدولة السورية اليوم، سواءً لدعم اقتصادها المتردّي منذ بدء الأزمة، أو للبدء بإعادة إعمار المناطق الآمنة.
في المقابل، تشهد الفصائل الأخرى انكسارات واضحة، في ظل سيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) على مناطق واسعة في إدلب ومعبر باب الهوى مع تركيا، الأمر الذي قد يؤخر معركة تنظيم القاعدة لمرحلة ما بعد تنظيم داعش الإرهابي.
يبدو أن السنوات السبع العجاف شارف على نهايتها، في مشهد يتشابه بعض الشيئ مع مرحلة ما قبل العام 2011، ويختلف كثيراً في نواحي أخرى. صحيح، ان الدولة السوريّة تحتاج لسنوات لاستعادة عافيتها الاقتصاديّة والسكانيّة الجغرافيّة، إلا أن جيشها العربي الذي يعود إلى حدود الجولان بقوّة، بات بمتلك من الخبرات ما يكفي لفتح معركة تعرقل كافّة الحسابات الإسرائيلية.