الوقت- بحث مقال في مجلة فورين أفيرز الأميركية طريقة تعاطي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريقه مع الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة، والتي دعا فيها الكاتب إلى استخدام أسلوب جديد في التعاطي مع طهران.
وتطرّق البحث إلى الأسلوب الذي تحدّث عنه مؤخراً وزير الخارجيّة الأمريكي ريكس تيلرسون امام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الامريكي الشهر الفائت، حيث قال ان واشنطن ستعمل مع من اسمتهم "عناصر داخل ايران" من اجل تحقيق عملية "انتقال الحكم في ايران"، معتبراً ان السياسة الأمريكية تجاه إيران تهدف إلى "تغيير النظام" فيها.
إلا أن أصحاب البحث في المجلّة دعوا إلى اتباع أسلوب جديد، يتمثّل في نهج الاغتيالات عبر تصفيّة رموز الثورة والنظام في ايران.
لا يعدّ هذا المقال مستقلّاً عن التوجّه الأمريكي العام في التعاطي مع الملف الإيراني، خاصّة أن المجلّة الأمريكية تابعة لمجلس العلاقات الخارجيّة. ما يعزّز هذه الرؤية هو ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" قبل فترة حول تعيين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لـ" مايكل داندريا" صاحب السجل الحافل في إدارة والتخطيط لعمليات "سي آي ايه" في الخارج من بينها اغتيال القيادي في حزب الله عماد مغنية، كمسؤول عن الملفّ الإيراني في الوكالة. أي أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستنقل نهجها المتشدّد إزاء إيران من الخيار السياسي إلى الخيار الأمني، باعتبار أن الخيار العسكري غير مطروح نظراً للنتائج الكارثيّة على واشنطن.
في الحقيقة، لا تعدّ قضيّة الاغتيالات بالأمر الجديد حيال التعامل الأمريكي مع ايران، تماماً كما هو حال الكيان الصهيوني. وبالعودة إلى الوراء، بدا واضحاً استخدام أسلوب الإغتيال في محاولة واشنطن للحدّ من الاقتدار الإيراني في البرنامج النووي السلمي والذي تمثّل باغتيال العديد من العلماء النوويين أمثال الشهيد شهرياري. ولكن هل نجحت واشنطن من خلال هذا الأسلوب في الحدّ من الاقتدار الإيراني. بالطبع لا، وليس مع النظام فحسب الذي رفع حينا نسبة التخصيب وأعداد اجهزة الطرد المركزي، بل مع الشعب، وتحديداً النخب العلمية، التي توجّهت بشكل أكبر من السابق نحو الاختصاصات التي تصبّ في دفع عجلة المشروع النووي السلمي في البلاد إلى الأمام بشكل أسرع.
السؤال الأبرز اليوم، هل ستصل واشنطن إلى مبتغاها عبر اسلوب الاغتيال؟ ربّما القراءة السريعة للتجربة الأمريكية في التعاطي مع الملف النووي الإيراني وتحدّياته، تكشف النتيجة التي ستكون بخلاف التوقّعات الأمريكية، إن لم تكن معاكسة تماماً.
إن الأسلوب الأمريكي الجديد قد يشعل ناراً طاحنة في المنطقّة، ويغيّر الكثير في الموازين والمعادلات الإقليمية والدولية، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى جملة من النقاط:
أوّلاً: وكما أن المواجهة الصلبة وغير المباشرة مع ايران في سوريا والعراق ليست بالأمر السهل، بل نجحت ايران، ومحور المقاومة بشكل عام، في دفع المشروع الأمريكي عبر دعم الجماعات التي حاربت الإرهاب، فإن المواجهة الناعمة مع ايران ليست سهلة، وهذا ما أثبتته تجربة الانتخابات الأخيرة بعد أكثر من عشرين عام على الحرب الناعمة الشرسة ضدّ ايران، والتي تحدّث عنها قائد الثورة الإسلاميّة السید آیة الله علي الخامنئي عشرات، بل مئات المرّات. وبالتالي، فإن نتائج أي مواجهة مباشرة، عبر اسلوب الاغتيالات، لن تكون بالسهلة على واشنطن أبداً، خاصّة أن طهران لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي تصرفّ أمريكي يستهدف أي جندي فی ايران، فضلاً عن رموز النظام.
ثانياً: يعدّ هذا الأمر تنصّلاً غير مباشر من الاتفاق النووي مع طهران الذي وافق عليه الرئيس ترامب بصعوبة بالغة. يوضح المشرفون على هذا المقال أن "المهمّة الحاليّة للحكومة الأمريكية تتمثّل في انتهاز الفرص من الأزمات التي تواجهها ايران، وتجييرها لصالح واشنطن في تحييد ألدّ أعداء أمريكا عن الحكم"، وفق المجلّة الأمريكية. أي أن واشنطن تريد الالتفاف على الاتفاق النووي عبر خيار أمني يسمح لها باستكمال نهجها السابق ضدّ ايران، وذلك بعد انتقاد أصحاب المقال لخيار تيلرسون في تغيير النظام نظراً لكونه بالغ الصعوبة في ظل الدعم الشعبي القائم.
ثالثاً: ينطوي هذا الأمر على تحدّيات كبيرة لواشنطن، قد تنجح في معالجة بعضها. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ باحثين غربيين قد حذّروا من خطورة الدعم الامريكي لمنظمة "منافقي خلق" الإرهابية لمحاربة نظام الجمهورية الاسلامية الإيرانية، في وقت اعتبر باحثون آخرون ان إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب تعيد مسار الحرب بين واشنطن وطهران إلى السكة، من خلال السياسات التي تتبعها. فقد نشر الباحث بمعهد "كايتو" “Ted GalenCarpenter مقالة على موقع “National Interest”، اشار فيها إلى ما شهادة وزير الخارجية الامريكي “التي ادلى بها أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الامريكي، لافتاً إلى ان الاستراتيجية الأمريكية المتبعة تتضمن الكثير من المشاكل، ابرزها ان منظمة "منافقي خلق"الإرهابية هي الجماعة المعارضة الابرز"داخل وخارج ايران". وأضاف الكاتب إن تاريخ منظمة "منافقي خلق"، التي ادارت عدّة هجمات ارهابية ادت الى مقتل العديد من الاميركيين الذين كانوا يعملون في إيران سابقاً، يجب ان يدفع اي"ادارة اميركية عاقلة" الى البقاء على مسافة بعيدة جداً منها، مذكراً بانها تتحمل مسؤولية العديد من الهجمات الارهابية وانها كانت مدرجة على اللائحة الاميركية الرسمية للمنظمات الارهابية، حتى شهر شباط/فبراير عام 2012.
في الخلاصة، إن تجدد الدعوات المطالبة بمواجهة ايران، تزامناً مع حلول الذكرى السنوية الثانية للاتفاق النووي بين ايران و الدول الست الكبرى، إضافةً إلى تحقيق إيران ومحور المقاومة انتصارات واسعة على الإرهاب، قد يحمل معه خطر عودة مسار الحرب بين واشنطن و طهران في حال قرّرت أمريكا المضيّ في الخيار الأمني، ولكن هل تتحمّل واشنطن تبعات هذا الخيار؟