الوقت- يقول جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي أنه يجب تغيير النظام الحاكم في إيران ليتسنى لنا بناء علاقات ثنائية إيجابية بين إيران وأمريكا.
في خضم طرحه لهذا الموضوع أضاف جيمس ماتيس في مقابلة غير مسبوقة مع ديلي كالر: بما أن هذا البلد "إيران" بلد غير ديمقراطي، فسوف تواجه إقامة العلاقات معه صعوبات خاصة. وأكمل قائلاً: لقد أفادنا الجميع في المنطقة من تل أبيب إلى القاهرة بأن إيران السبب الرئيس للمشكلات فيها والمؤثر الأسوء في زعزعة إستقرار المنطقة.
لم تتصف علاقة أمريكا بإيران في الماضي سوى بعدائها وكراهيتها للشعب الإيراني هادمة كل أسس الثقة بينهما. الماضي الذي طغت عليه النظرة الإستكبارية التي لا تهتم سوى لكسب المصالح الأنانية وتثبيت نظام حكم إستبدادي في إيران الذي لم يألُ جهداً في الدفاع عن مصالح أمريكا الغير شرعية في المنطقة. في حين إتصف ذلك النظام بالديمقراطية في نظر أمريكا لتأمينه مصالحها كما تتمنى، في الوقت الذي كانت أمريكا تعتبر أيران عمقاً إستراتيجياً لها في المنطقة.
عملت أمريكا في تلك الفترة على إنشاء سياسة توازن في المنطقة بالإعتماد على السعودية ونظام الشاه في إيران ولم تمتلكها أية مخاوف على الكيان الإسرائيلي، لكن عندما إنتصرت الثورة الإسلامية في إيران ووقف الشعب الإيراني في وجه النظام الإستكباري الأمريكي وكل القوى الظالمة وكللت الثورةُ الشعب َالإيراني بتاج وعزة الإستقلال، فما لبثت أن تغيرت نظرة أمريكا عن إيران، فقد أصبح نظام الجمهورية الإسلامية في إيران الذي نشأ بدعم الشعب وتأيیده غير ديمقراطياً وفقاً للنظرة الأمريكية الجديدة.
تحويل السفارة الأمريكية إلى عش للجاسوسية وبؤرة لها والتآمر للقيام بأعمال تخريبية والتخطيط للإنقلاب المسمى بمشروع "نقاب" بعد مرور عدة أشهر على إنتصار الثورة الإسلامية والتدخل العسكري في طبس ودعم نظام "صدام حسين" في الحرب المفروضة على إيران وتطبيق أنواع الحصار المختلفة وإنشاء الإئتلافات في المنطقة ضد إيران، ما هي إلا بعض الأعمال التي أثبتتها أمريكا في سجل تاريخها العدائي لإيران. ومن المؤكد أن مشكلة أمريكا مع إيران لا تكمن في فقدان الديمقراطية أو ما شابه من قضايا حقوق الإنسان.
وفي نفس السياق، نشرت آسوشيتد برس منذ مدة تصريحات نقلاً عن رئيس وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي ايه" أظهرت بوضوح مضمون مشكلة أمريكا مع إيران. ففي مقابلة لرئيس وكالة السي آي ايه مع قناة "ام اس ان بي سي" حول إيران أظهر قائلاً: اليوم نشهد نفوذاً واسعاً لإيران هذه، النفوذ الذي إتسع كثيراً عما كان عليه في السنوات الأخيرة، لإيران حضور في جميع أرجاء الشرق الأوسط.
وتابع مايك بومبيو رئيس وكالة الإستخبارات على هذا المنوال مضيفاً: إيران مصدر تهديد للأمن القومي الأمريكي.
شعرت أمريكا بهذا التهديد منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران بقلب الطاولة على معادلات أمريكا الإقليمية والعالمية. وثبتت الجمهورية الإسلامية في إيران في وجه التدخلات الأمريكية وتحول هذا الثبات قدوة ومنارة لكفاح الشعوب ضد الأنظمة السلطوية. ومن البديهي قيام هذه الحركة الثورية بتغيير الحسابات الأمريكية لصالح الشعوب المظلومة والمستضعفة في العالم وخاصة الشعب الفلسطيني المظلوم وكما عادت بالضرر على حساب هيمنة أمريكا والكيان الإسرائيلي على المنطقة. هذا التأثير الذي لم تخبو جذوته خلال العقود الأربعة على إنتصار الثورة فحسب بل أزداد رونقاً وعمقاً أيضاً.
وكتب ريتشارد هاس المحلل السياسي في مقالة بعنوان "الشرق الأوسط الجديد": ينظر الغرب إلى إيران على أنها في طور التحول إلى قوة إقليمية التي سوف تسعى لطرد القوى العابرة للقارات من المنطقة والحلول مكانها، وحينها ستدفع دول المنطقة صاغرة للإنقياد لسياساتها، ولهذا سيسعى الغرب بمساعدة دول المنطقة لتحجيم قوة إيران، ولهذا يتوجب على الغرب المضي قدماً في مشروع الترهيب من إيران.
ما تزال أمريكا كلاعب أساسي في التدخل الإقليمي تسعى إلى تصوير هذا الأمر في قالب مشروع تهديدي للدور الإقليمي في مواجهة الأمن القومي الأمريكي، لتتمكن بهذا من رفع سقف تهديداتها. فتخطيط المشروعات من نوع التدمير الناعم من الداخل وإستخدام القوة العسكرية والمالية لتغيير البنية الداخلية لنظام الجمهورية الإسلامية الذي تم طرحه في خطاب "ركس تيلرسون" وزير الخارجية الأمريكي، ليست سوى أدوات تستهلكها أمريكا ضد إيران للوصول إلى أهدافها.
تصريحات جيمس ماتيس ترتكز على تهديد إيران للأمن القومي الأمريكي وضرورة تغيير النظام في إيران ينضوي تماماً تحت هذا الهدف، والحقيقة تقول أنها جميعاً أضغاث أحلام لن يكون لها تفسير كما تتوهم أمريكا.