الوقت - أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن الوزير ريكس تيلرسون سيزور الدول الخليجية في جولة تستغرق يومين من اجل بحث أزمة مقاطعة قطر، فيما كانت وزارة الدفاع الامركية هي السباقة للتدخل في الازمة والاكثر نشاطا في مجال السياسة الخارجية الامريكية.
وعلى الرغم من اعلان الخارجية الامركية أن الهدف من الزيارة هو حل الازمة الدبلوماسية بين قطر ودول المقاطعة، إلا أن وزير الخارجية الأمريكي يتميز بقلة زياراته الخارجية، وسبقه وزير الدفاع، جيمس ماتيس في زيارة الشرق الاوسط، حيث قام الاخير بزيارات لافتة للنظر لمنطقة الشرق الاوسط، كذلك سبقه في اتخاذ موقف تجاه الازمة القطرية.
فبعد أقل من شهر من تسلم ماتيس مهام وزارة الدفاع، قام بزيارة رسمية الى الامارات في فبراير 2017 للتباحث حول ملفات المنطقة، فيما بقيت تفاصيل الزيارة طي الكتمان. بعد ذلك زار ماتيس العراق وأعلن صراحة أن وجود القوات الأمريكية لا يهدف الى "سرقة النفط"، وان أمريكا لا تنوي الاستحواذ على النفط العراقي. وجاء هذا التصريح خلال لقاء جمع ماتيس برئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، وكان الهدف منه نفي تصريح سابق للرئيس الأمريكي ترامب، حيث كان ترامب قد صرح خلال الحملة الانتخابية قائلا كان يجب على الولايات المتحدة أن تسيطر على نفط العراق قبل أن تغادره في عام 2011، لتوفر الميزانية اللازمة للحرب ضد المتطرفين في غرب آسيا.
وبعد أقل من 50 يوما على مرور الزيارة الأولى، عاد ماتيس الى الشرق الاوسط مرة أخرى ليزور السعودية، مصر وقطر. والتقى ماتيس خلال الزيارة الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، ووزير الدفاع محمد بن سلمان، حيث أكد أن حكومة ترامب تنوي اتخاذ مسار مختلف تماما تجاه المنطقة، وأنها ستنهي السياسات التي أثارت سخط السعودية.
من جهة أخرى، زار ترامب السعودية بعد شهر من زيارة وزير الدفاع لها، ليتضح أن زيارة ماتيس للسعودية كانت تهدف للتحضير من أجل زيارة ترامب للمملكة؛ وهو أمر عادة ما تتولاه وزارة الخارجية لا وزارة الدفاع.
وعلى العكس من نشاط وزير الدفاع الأمريكي في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الاوسط، فان وزير خارجية ترامب لم يكن شخصا نشيطا في هذا المجال. ومنذ توليه المنصب كانت أول زيارة قام بها لمنطقة الشرق الاوسط للرياض عندما رافق ترامب لزيارة الرياض. فيما يبدو ان اول زيارة مستقلة سيقوم بها تيلرسون للشرق الأوسط تهدف الى حل الازمة الدبلوماسية مع قطر، وإنه لا ينوي تحقيق أهداف أخرى خلال الزيارة.
كذلك فاقت المواقف الأمريكية المعلنة عن طريق وزير الدفاع الأمريكي تلك التي أعلنها وزير الخارجية. والمثال الأبرز على ذلك هو سعي ماتيس لتصحيح الموقف غير المدروس الذي اعلن عنه ترامب تجاه النفط العراقي. وفي حالات أخرى شهدنا أن وزارة الدفاع الأمريكية هي التي ترسم السياسات الخارجية للبلاد. حتى أن ماتيس قد صرح مؤخرا خلال حوار صحفي محذرا من أن السياسة الخارجية الأمريكية والضغط على الشعب الإيراني سيؤديان الى تعاضد الشعب الإيراني مع حكومته.
بالنظر الى ما مر ذكره والنشاط المفرط لوزير الدفاع الأمريكي مقابل خمول وزير الخارجية، يرى البعض أن جيمس ماتيس هو وزير الخارجية في حكومة الظل الأمريكية. وزير حكومة الظل الذي ظهر حتى الآن مقابل الكاميرات وقام بجولات دولية صبت في صالح السياسة الخارجية الأمركية. ويبقى السؤال هنا هو لماذا يقوم وزير دفاع ترامب بدور كبير في السياسة الخارجية يتفوق به على دور وزير الخارجية؟ ومن أجل الرد على هذا السؤال لا بد أن ننتبه الى جوهر حكومة ترامب.
فمنذ أن تولى ترامب رئاسة أمريكا بل حتى قبل ذلك عُرف ترامب بانه تاجر يعقد صفقات اقتصادية وتجارية ضخمة. وقد بدت هذه الخصلة واضحة خلال السباق الرئاسي حين انتقد نفقات السياسة الخارجية الأمريكية التي لم تثمر عن شيء، وبعد انتصاره في السباق الرئاسي ركز على انتهاج سياسة خارجية ذات طابع اقتصادي. حيث يرى ترامب أن أفضل مقاربات السياسة الخارجية هي تلك التي تؤدي الى ضمان مصالح الولايات المتحدة وتقود لتوقيع صفقات تجارية وعسكرية كبيرة وبالتالي ازدهار صناعة السلاح الأمريكية.
ومن هذا المنطلق نرى أن اختيار ترامب للسعودية في أول جولة دولية لم يكن محض صدفة، بل جاء من أجل توقيع صفقة عسكرية بقيمة 110 مليار دولار. حتى أن الاعداد لهذه الزيارة تم قبل ذلك بشهر ومن قبل وزير الدفاع الأمريكي وهو ما أثار آنذاك توقعات بأن زيارة ترامب للرياض ستشهد توقيع اتفاقيات عسكرية. وهذا ما جعل دور وزير الدفاع الأمريكي اكبر من دور وزير الخارجية في السياسة الخارجية، حيث أن وزارة الدفاع تتولى تسويق الأسلحة الأمريكية في منطقة الشرق الاوسط.
وعلى ضوء ما مر، يمكن تفسير زيارة ماتيس للإمارات، العراق وأفغانستان على أنها تأتي ضمن دور وزارة الدفاع الأمريكية في تسويق الأسلحة الأمريكية وازدهار صناعة السلاح في الولايات المتحدة. وخلال جميع الزيارات التي قام بها ماتيس لدول المنطقة أكد على دور القوات الأمريكية في الحرب على الارهاب في الشرق الاوسط، وهو دور لا يمكن للولايات المتحدة أن تمارسه من دون أن تبيع كميات كبيرة من الأسلحة.
ومن هذا المنطلق عندما تمسك وزارة الدفاع بزمام السياسة الخارجية، لا يتبقى الكثير من المجال أمام الأخيرة للتحرك دبلوماسيا، وبهذا أصبح دور وزير الخارجية دورا ثانويا في ظل حكومة ترامب بينما تصدر وزير الدفاع المشهد.