الوقت - اختتمت في مدينة هامبورغ الألمانية قمة مجموعة العشرين وسط تظاهرات عارمة شارك فيها عشرات الآلاف من المناوئين لمواقف الدول الكبرى حيال مختلف القضايا بينها التغييرات المناخية والسياسات التجارية والاقتصادية.
وخلال انعقاد القمة طفحت على السطح قضايا كثيرة غطّت على مجريات القمة من بينها السلوك غير المعقول للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وعائلته التي اصطحبها معه ومواقفه المتعلقة بالخروج من اتفاقية باريس للمناخ وأنانيته بدعم السلع الأمريكية على حساب البلدان الأخرى، ما أثار حفيظة رؤساء الدول الأخرى المشاركة في القمة وخروج الآلاف بتظاهرات ساخطة في شوارع هامبورغ تخللتها أعمال عنف وقمع من قبل عناصر الأمن والشرطة لهذه التظاهرات التي شاركت فيها مختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية والإعلامية والثقافية.
وأرغمت شدة التظاهرات زوجة ترامب "ميلانيا ترامب" على البقاء في الفندق الذي يستضيفها، كما اضطرت التظاهرات وزير المالية الألماني "فولفغانغ شويبله" إلى إلغاء كلمته في القمة.
ويعتقد منظمو التظاهرات بأن مجموعة العشرين تدعم نظام دولي غير عادل من شأنه أن يعزز التمييز الاجتماعي إلى حد بعيد في مختلف أنحاء العالم.
ووصفت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" التي استضافت بلادها القمة على مدى يومين مفاوضات القمة بأنها كانت صعبة ومعقدة للغاية.
وحققت ميركل، الحريصة على إظهار مهاراتها كوسيط قبل شهرين من انتخابات عامة في البلاد، هدفها الرئيسي في اجتماعات القمة بإقناع القادة المشاركين بمساندة بيان ختامي يحتوي على تعهدات بشأن التجارة والتمويل والطاقة وأفريقيا.
وقالت ميركل للصحفيين في ختام القمة "في النهاية عكست المفاوضات بشأن المناخ انشقاقاً واضحاً، والجميع هنا ضد الولايات المتحدة الأمريكية". وتابعت قائلة "حقيقة أن المفاوضات بشأن التجارة كانت صعبة بشكل استثنائي بسبب مواقف بعينها اتخذتها واشنطن".
حركة مكافحة الرأسمالية
مع بدء الأزمة الاقتصادية التي طالت دول أوروبية عديدة وأمريكا عام 2008، عمد الكثير من الشباب في هذه الدول والذين فقدوا الأمل في الحصول على حقوقهم للعيش في ظل حياة كريمة إلى الالتحاق بالتيارات المناوئة للرأسمالية ليؤكدوا أن النظام الرأسمالي في طريقه إلى الزوال والإفلاس ووصفوه بأنه السبب الرئيس في معظم المشاكل والأزمات الاقتصادية في الغرب والعالم.
ومما ساهم في تعزيز هذه العقيدة لدى الشباب الغربي هو الأزمات الاقتصادية المستفحلة في أمريكا والعديد من دول جنوب القارة الأوروبية لاسيّما اليونان والبرتغال.
من جهة أخرى تظاهر أنصار البيئة ضد قمة العشرين في هامبورغ إلى جانب المناوئين للرأسمالية لأنهم يعتقدون بأن السياسات الاقتصادية للدول الكبرى وتأسيس شركات متعددة الجنسيات حول العالم ساهم بتلويث المناخ والبيئة وارتفاع درجات الحرارة وتكريس ظاهرة الاحتباس الحراري في عموم الأرض.
اتفاقية باريس البيئية لعام 2015 غير قابلة للنقض
شهدت قمة العشرين في هامبورغ مفاوضات حادة بشأن اتفاقية باريس البيئية لعام 2015 انعكست بشكل واضح في البيان الختامي للقمة. ونجم الخلاف حول هذه الاتفاقية عن إعلان الرئيس الأمريكي "ترامب" انسحاب بلاده من هذه الاتفاقية قبل عدّة أسابيع من انعقاد القمة.
وكان الخلاف صارخاً بين ترامب وباقي زعماء دول مجموعة العشرين بشأن المناخ لاسيّما مع زعماء اليابان والأرجنتين.
وضمّت القمة خليطاً متوتراً من القادة في وقت يتعرض فيه المشهد الجيوسياسي للعالم لتغيرات كبرى. كما خيّمت على القمة التظاهرات العنيفة التي خلّفت سيارات محترقة وواجهات محال محطمة في شوارع هامبورغ.
وترك تحول ترامب لسياسة دبلوماسية أكثر أحادية وفردية فراغاً في القيادة العالمية وأقلق حلفاء تقليديين في أوروبا وفتح الباب لقوى صاعدة مثل الصين لاقتناص دور أكبر.
وخيّمت التوترات بين واشنطن وبكين على الفترة السابقة للقمة مع تصعيد إدارة ترامب من الضغط على الرئيس الصيني لكبح جماح كوريا الشمالية والتهديد بإجراءات تجارية عقابية على الصلب.
وناقشت قمة العشرين موضوع التصدي للإرهاب، حيث أشار البيان الختامي للقمة إلى ضرورة تجفيف منابع الإرهاب لكنه أخفق بشأن الآلية لمعالجة هذا الموضوع لأن المشاركين يفتقدون إلى التعريف المحدد للإرهاب وكيفية التصدي للجماعات الإرهابية.
فمن جانب تصنف الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا الفصائل المقاومة في فلسطين كـ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" التي تدافع عن الشعب الفلسطيني وتواجه الغطرسة الإسرائيلية وكذلك "حزب الله" الذي يدافع عن سيادة لبنان أمام الخروقات الإسرائيلية كمنظمات إرهابية، في حين تدافع هذه الدول عن التيارات التكفيرية والمتطرفة التي تدّعي معارضة نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد.
وقد نجم عن هذه السياسة المزدوجة الكثير من الأزمات وفي مقدمتها الأزمة السورية التي تسببت بإراقة دماء السوريين ودمّرت البنى التحتية في هذا البلد. ويمكن القول بأن قمة العشرين فشلت في التوصل إلى اتفاق بشأن محاربة الإرهاب ولم تنجح في تقديم رؤية واضحة لإرساء الأمن والسلام في العالم، ولم تكن قرارات القمة في البيان الختامي سوى حبر على ورق.