نجحت القوى السياسية في لبنان في الإتفاق أخيراً على مشروع قانون جديد للإنتخابات النيابية يعتمد نظام النسبية على أساس 15 دائرة. وهو ما يُعتبر جديداً على المُقترع اللبناني. وبين مُشكِّكٍ ومؤيد ظهرت للقانون الجديد عدة إيجابيات، لكنها لم تُلغ التساؤلات التي طرحها البعض. في حين يُعتبر إخراج البلاد من دائرة فرض قانون الستين أو الذهاب نحو خيار التمديد أو الفراغ، من الأمور الإيجابية والتي لا تُستكمل إلا بالإتفاق الرسمي على موعد الإنتخابات. فكيف يمكن تقييم القانون الجديد؟ وما هي الإيجابات التي يراها البعض؟ وأين تكمن تساؤلات الآخرين؟
الإيجابيات بعيون لبنانية
عدة إيجابيات يمكن لحاظها، نُشير لها في التالي:
أولاً: هناك شبه إجماع على أن ما تحقق يُعتبر إنجازاً كبيراً على مستوى إخراج لبنان من نظام الإقتراع المبني على مبدأ الأكثرية، مع الأخذ بعين الإعتبار أن ما تم التوصل إليه، جيد خصوصاً أن الخيارات الأخرى المتاحة والتي تراعي كافة الأطراف والهواجس السياسية لم تكن أفضل.
ثانياً: يعترف الجميع بأن هذا القانون ليس الأمثل على الساحة السياسية اللبنانية. لكن الجميع يُقر بأنه الأفضل، ضمن تعقيدات لبنان الطائفية والسياسية. في حين تمت مراعاة الإجحافالحاصل بحق الأقليات في القانون الأكثري، وبالتالي، جاء اقتراح اعتماد النسبية على أساس 15 دائرة.
ثالثاً: إن من أهم النتائج والتي تتعلق باجانب التقني للإنتخابات هو الإصلاحات المطروحة والتي تعتمد اللوائح المعدّة سلفاً والبطاقة الممغنطة، الأمر الذي يُعتبر ايجابياً.
التساؤلات والشكوك
لا شك أنه وبالرغم من الإيجابيات التي أثمرها قانون الإنتخابات، فإن عدة تساؤلات تُطرح نُشير لها في التالي:
أولاً: التساؤل الأساسي يتعلق حول أهلية هذا القانون في حفظ حقوق الأقليات. وهو الأمر الذي طالما نادت به الأطراف السياسية، والتي بدا أن معظمها يتحدث من أجل المزايدة أو جعل ذلك مُبرراً في رفض قانونٍ لا يُناسبها.
ثانياً: يُعيد قانون النسبية بصيغته الحالية الجميع الى أحجامهم الطبيعية. لكن ذلك لا يعني عدم طغيان خطر التحالفات والتي تُعتبر ميزة الديموغرافية اللبنانية وتتحكم بها المصالح السياسية.
ثالثاً: إحتج البعض على إهمال أصوات معينة في مناطق معينة كإهمال الصوت المسيحي في عدة مناطق مثل بنت جبيل والمنية والضنية وصور، وهو ما يُعتبر أحد الثغرات في القانون الجديد.
رابعاً: دفعت الحسابات السياسية بالبعض للإستغناء عن أهمية العدد (عدد الواب) أمام ضمانهم مراكز كبرى. وهو حال كل من النائب وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري. الأمر الذي يُشكل مصلحة حالية محققة ومستقبلية مهددة.
ماذا في المنافسة؟
بحسب القانون الجديد يُشير المطلعون الى أن احتدام المنافسة سيكون طاغياً على الإنتخابات. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: إن أغلب المعارك في الدوائر ستؤدي الى منافسة مُحتدمة، حيث من الممكن الوصول لتمثيل سياسي جديد في المجلس المقبل لكنه لن يكون بالمستوى المطلوب.
ثانياً: ستشمل المنافسة المحتدمة، دوائر جزين وصيدا، زحلة، البقاع الغربي وراشيا، بشري البترون والكورة وزغرتا، بيروت الثانية، جبيل وكسروان، بعبدا، المتن الشمالي.
ثالثاً: سيتحكم بمصير هذه الدوائر، التحالفات التي ستجري، حيث أن الأمور مرهونة بحجم التنافس والذي ستُحدده الإصطفافات السياسية الموجودة.
رابعاً: تُعتبر المنافسة في دائرة بيروت الأولى شبه محسومة بسبب التحالفات المسيحية فيما ستغيب المعركة عن مناطق صور والزهراني، النبطية، مرجعيون، حاصبيا، بنت جبيل، بعلبك والهرمل، وستكون عادية في كل من دائرتي عكار وطرابلس المنية الضنية.
إذن لا شك أن قانون الإنتخاب سيُنتج واقعاً جديداً لكنه لن يكون مختلفاً بشكل كبير عن الواقع السائد حالياً. فلبنان الذي تحكمه العقليات السياسية، هي ذاتها التي أنتجت قانوناً جديداً يقول البعض أنه على طريق الإصلاح. وفي انتظار ما ستؤول اليه الأمور، يجد الكثيرون أن القانون الجديد قد يكون أول خطوةٍ نحو إفراز واقعٍ يمكن اعتناده لإيجاد التحول في السياسة اللبنانية وآلياتها التنفيذية.