الوقت- في لقاء إعلامي عقده معهد “اندیشه سازان نور” للدراسات الاستراتيجية بطهران يوم الاثنين الموافق 20 أكتوبر 2025، استعرض الدكتور سعد الله زارعي، الخبير في شؤون المنطقة، تحليلاً لمستجدات الأوضاع في غزة وأبعاد خطة ترامب وآفاق المقاومة في ظل المتغيرات الدولية الراهنة.
أوضح الدكتور زارعي أن انصياع تل أبيب لاتفاق تبادل الأسرى يفضح إخفاقاً ذريعاً في استراتيجيتها العسكرية، فلو كان في جعبة الإسرائيليين سهام النصر عبر ميادين الحرب وفق نهج نتنياهو، لما طرقوا أبواباً أخرى كمسار تبادل الأسرى، فقبول هذا المسلك من قِبَل مَن شيّد صرح استراتيجيته على أساس حل القضية بنيران الحرب، يُعد شاهداً ناطقاً على تهاوي أركان النهج العسكري لتل أبيب.
وأردف قائلاً إن الصهاينة حاولوا في غضون الأشهر الأربعة أو الخمسة المنصرمة تنفيذ سيناريوهين عسكريين باءا بالفشل الذريع:
الخطة العسكرية الأولى “جدعون 2” التي نعى جيش الاحتلال آمالها في أواخر أغسطس
العملية العسكرية الثانية “عربات جدعون” التي تصاعدت همهمات عقمها بعد أسبوعين من انطلاق شرارتها، وعلى الرغم من أربعة أشهر من العمليات، وقف جيش الاحتلال على أعتاب المدن عاجزاً عن اقتحامها، فتوقف زحفه وخمدت جذوة اندفاعه، ما دفعه للانعطاف صوب مسار التفاوض لتبادل الأسرى.
الضغوط الداخلية والخارجية تلوي ذراع نتنياهو لقبول الهدنة
أبان الخبير في دهاليز السياسة الإقليمية أن الصهاينة كانوا يتلمسون سبيلاً للتنفس يخفف عنهم وطأة الضغط الداخلي المنادي بإطلاق أسراهم، بالتزامن مع تعاظم الضغوط الدولية التي تكالبت على حكومة نتنياهو بسبب المجازر المروعة في أرجاء غزة، وهكذا هرول الكيان الصهيوني نحو خطة ترامب واغتنمها فرصةً سانحةً رغم تناقضها الصارخ مع استراتيجيته الأصلية التي كانت تنأى بنفسها عن الانسحاب من غزة ووقف إطلاق النار وإقامة دولة فلسطينية.
أحوال الفلسطينيين في ظل الهدنة
کشف الدكتور زارعي أن الجانب الفلسطيني كان يئن تحت نير ضغوط هائلة جراء تشريد قرابة مليونين وثلاثمئة ألف نسمة، فضلاً عن تساقط ثمانين شهيداً يومياً في المتوسط على مذبح غطرسة الاحتلال، هذا الواقع المرير دفع الفلسطينيين للبحث عن منفذ للخلاص، رغم أن المقاومة كانت تمضي في تنفيذ خطتها المرسومة وتسعى دوماً لإدارة دفة الموقف بحكمة بالغة وبصيرة نافذة.
موقف المقاومة الشامخ
أوضح الدکتور زارعي أن غاية الطرف الفلسطيني القصوى تتجلى في إيقاف رحى الحرب وإرساء دعائم الهدنة قبل أي أمر آخر في غزة. كما أبرز أن المقاومة الفلسطينية تشبثت بانسحاب جيش الاحتلال من شطر من القطاع وفتح معابر قوافل المساعدات الإنسانية، وهي مطالب كانت متاحةً نسبياً في إطار خطة ترامب، ما حدا بها إلى قبول الهدنة.
تل أبيب تتربص بالهدنة وتتحين فرصة نقضها
حذّر الخبير في شؤون المنطقة من أن الكيان الصهيوني لا يرى في الهدنة سوى تكتيك عابر لا استراتيجية راسخة، مشيراً إلى أن الصهاينة يترقبون الفرصة السانحة، بذريعة واهية أو بدونها، لإعادة لهيب الحرب إلى أرجاء غزة، وأشار إلى أنه منذ سريان الهدنة في السابع من أكتوبر وحتى يومنا هذا، أي خلال أسبوعين، ارتقى عشرات الفلسطينيين شهداء في قطاع غزة.
سيناريوهات عودة أوار الحرب إلى غزة
في ضوء الخروقات المتواترة للهدنة من قبل الصهاينة، أبان الدكتور زارعي أن الهدنة الراهنة هشة كخيوط العنكبوت، وقد نشهد تأجج المواجهات في غزة خلال الأيام القادمة، وتوقع أن ينتهج الكيان الصهيوني نمطاً من التصعيد المتدرج للاشتباكات اليومية التي ستزحف لتحل محل الهدنة، وإن كانت بوتيرة أقل ضراوةً من سابقتها.
كما أشار إلى سيناريو آخر يتجسد في تحول "إسرائيل" من العمليات العسكرية إلى العمليات الأمنية بغية عرقلة إعادة إعمار غزة وإرغام الفلسطينيين على الهجرة، مع إبقاء القطاع يرزح تحت نير أزمة مستعرة، ورجّح أن يكون السيناريو الأوفر حظاً هو مزيج من العمليات العسكرية المحدودة والعمليات الأمنية والإرهابية.
تأهب المقاومة وجاهزيتها للنزال
في ختام اللقاء، تطرق الدكتور زارعي إلى استعدادات المقاومة في حال نكث الهدنة، موضحاً أن فصائل المقاومة كانت بحاجة ماسة لاستعادة عافية قواها، ولذلك رحبت بالهدنة. وبما أن حماس وفصائل المقاومة لم تكن هي من ينقض عهد الهدنة، فإنها ستكون قادرةً على خوض غمار المعركة بسواعد أشدّ بأساً إذا استعرت نيران الحرب من جديد.
وشدد على أن المقاومة لا تعاني من ضمور في ترسانة السلاح، مستذكراً تصاعد وتيرة عملياتها قبيل الهدنة بأسابيع معدودة، ما يؤكد أهبتها لاستئناف المقاومة ضد المحتلين والرد بصواعق قوية على الصهاينة إذا ما نكثوا عهد الهدنة ونقضوا ميثاقها.