الوقت- أكدت الغارديان على ضرورة ألا يُسهّل العالم تطبيع معاناة سكان غزة بعد وقف إطلاق النار، وألا يسمح لإسرائيل بالاستمرار في الإفلات من العقاب، وأعلنت أن المتواطئين في الجرائم ضد الفلسطينيين المجتمعين في قمة شرم الشيخ لتحديد مستقبل غزة هم أنفسهم المتواطئون في الجرائم ضد الفلسطينيين. ووفقًا لعدد من المصادر الاخبارية، استضافت مدينة شرم الشيخ المصرية ممثلين عن أكثر من 20 دولة، بقيادة الولايات المتحدة، بعد ظهر الاثنين، عقب اتفاق تبادل الأسرى في قطاع غزة بين المقاومة والكيان الصهيوني، وفقًا لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار، وقد صدرت العديد من التحليلات ردًا على القمة، من أبرزها تقرير تحليلي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية. في مقالٍ بقلم نسرين مالك، شككت صحيفة الغارديان في اجتماع شرم الشيخ، وقالت: "أولئك الذين حضروا الاجتماع هم نفس الأشخاص المتورطين في المجازر والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وبالتالي لا يمكنهم بناء مستقبل للفلسطينيين.
لا يمكن للمتواطئين في جرائم إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني أن يقرروا مستقبل غزة
حتى لو كان وقف إطلاق النار في قطاع غزة مستقرًا ومستمرًا، فهذا يعني أن المجرمين لن يُقدموا للعدالة أبدًا، وسيستمر الاحتلال غير الشرعي، وسنشهد فصلًا جديدًا من جرائم إسرائيل وداعميها دون محاكمة. وعندما يجتمع الآن أولئك الذين زودوا إسرائيل بالأسلحة لقتل الشعب الفلسطيني لإيجاد سبيل لتحقيق السلام في غزة، يتبادر إلى الذهن مثل واحد فقط: "الحارس هو اللص".
وفي الأسابيع والأشهر القادمة، ستظهر صور من غزة تُظهر حجم الدمار في القطاع الذي يفوق بكثير أي شيء رأيناه خلال الحرب. اليوم، يعود أهالي غزة إلى ديارهم، لكن أحيائهم ومدنهم تحولت إلى أنقاض وخراب، سوّتها قنابل ثم جرافات الجيش الإسرائيلي بالأرض. وحتى ضوء الشمس في الصور القادمة من غزة يختلف عن غيره، فبما أنه لم يبقَ في قطاع غزة أي مبانٍ، فلا سبيل لضوء الشمس للتسلل من خلالها، ولن ترى أي ظلال في غزة. المنازل التي يعود إليها الغزيون اليوم ليست سوى قطع أرض فارغة، وعليهم تجهيز خيمة لأنفسهم وانتظار المساعدات التي يُفترض أن تصل.
أرواح الغزيين المفقودة وصمت العالم
لقد تحرر أهالي غزة من كابوس القصف والموت بعد وقف إطلاق النار، ولكن كيف ستكون حياتهم؟ ماذا سيفعل آلاف الأطفال الأيتام أو الجرحى أو المعاقين، وما الذي ينتظرهم في المستقبل؟
لم تُدمر البنية التحتية لقطاع غزة بالكامل فحسب، بل دُمر النسيج الاجتماعي للقطاع أيضًا، وتشتتت روابط العائلات تمامًا لجيلين أو ثلاثة أو حتى أربعة أجيال.
ماذا عن آلاف الآباء الذين دفنوا أبناءهم بأيديهم؟ ماذا عن أولئك الذين جمعوا جثث أحبائهم المقطعة؟ من سيُحاسب حقًا على هؤلاء، وهل سينتهي الأمر بهذه السهولة؟ يقول رجل من غزة عن أخيه، الذي فقد جميع أبنائه وزوجته في غارة جوية إسرائيلية، إنه يتجول باستمرار حول موقع مقتل عائلته، ويدور بين الأنقاض، دون أن يتمكن حتى من العثور على جثثهم. ونظرًا للعدد الكبير من الجثث المدفونة تحت الأنقاض، فمن المؤكد أن عدد الشهداء سيزداد في الأيام القادمة، وتشير المعلومات الرسمية المتاحة حاليًا إلى أن ما لا يقل عن 10% من سكان غزة قد استشهدوا أو أصيبوا.
إن انتهاء الحرب أمر بالغ الأهمية، ولكن الظروف التي ستنتهي في ظلها، وعملية التعامل مع الضحايا، وإعادة إعمار قطاع غزة، مهمة أيضًا. إذا استمرت هذه الظروف على هذا النحو، فهذا يعني أن القتلة والمجرمين سيظلون قادرين على مواصلة جرائمهم، وأنه لا يمكن منع تكرار هذه الجرائم. إن حجم الموت والعنف والإبادة الجماعية في قطاع غزة هائل، ولا بد من إيجاد سبيل لوقف هذه العملية ومنع تكرارها مستقبلًا.
وفي حين نرى المجرمين وداعميهم يختلقون أعذارًا أسوأ من الشعور بالذنب، ويبررون جرائمهم. دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الذي مهد الطريق للإبادة الجماعية في غزة، يُجهز نفسه اليوم للاحتفال بالسلام والنصر، أو صهره جاريد كوشنر، دون أن يذكر وحشية إسرائيل، يُشيد بهذا النظام ويقول للإسرائيليين: "لقد قررتم أن تكونوا استثنائيين!".
خطة ترامب "للسلام" تهدف إلى محو تاريخ غزة
فنحن الآن أمام جريمة بلا مرتكب، وإبادة جماعية بلا مرتكب، وشعب بائس محروم من أدنى مستويات المعيشة، ويجب إطعامه وسقيه بازدراء. يُمحى تاريخٌ كاملٌ في فلسطين مجددًا؛ تاريخٌ من الإفلات من العقاب والقمع والهيمنة الإسرائيلية، وتاريخٌ من التطهير العرقي، وتاريخٌ من التوسع الاستيطاني غير القانوني، وتاريخٌ من الإنكار الصارخ لحق الفلسطينيين في تقرير المصير.
واليوم، يسارع ممثلو الدول التي زودت إسرائيل بالأسلحة لقتل الشعب الفلسطيني، والتي لم تستطع حتى الاعتراف شفهيًا بجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها النظام أو تنفيذ مذكرة توقيف المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو، إلى شرم الشيخ لمناقشة مستقبل غزة. السلام في غزة اليوم، وفقًا للخطة التي طرحها ترامب، هو فرصة لنسيان التاريخ ومحوه من ذاكرة الرأي العام العالمي. واليوم، لجأ القادة الغربيون إلى استخدام هراواتهم ضد الأعراف والمؤسسات الدولية، وحتى السياسات التي ادّعوا تبنيها، لتبرير تدمير غزة.
لن يحقق شركاء القتلة مستقبلًا آمنًا لغزة
لكن أحرار العالم الذين شهدوا هذه المجازر لا يمكنهم بسهولة نسيان المشاهد التي رأوها في غزة. إن مستقبلًا آمنًا لشعب غزة، ولجميع الفلسطينيين عمومًا، ليس أمرًا يمكن أن يحققه أنصار المجرمين واللصوص الذين يلعبون دور الأوصياء. فبدون تمكين الشعب الفلسطيني واستقلاليته، لن يتحقق له السلام.
إن توقف عمليات القتل في قطاع غزة خبر سار للغاية، لكن يجب ألا نسمح بتطبيع معاناة الشعب الفلسطيني وحياته تحت الاحتلال والقمع الإسرائيلي. إن انتهاء الصراع بهذه الطريقة يُظهر أن قتل الفلسطينيين، ومصادرة منازلهم، وتعذيب أسراهم، واعتقال الشعب الفلسطيني دون محاكمة سيستمر. لا يمكن تهميش القضية الفلسطينية في السياسة الدولية المعقدة، ويجب تقديم مرتكبي هذا التدمير والقتل إلى العدالة.