الوقت- عادت الراية الصفراء ترفرف من جديد، لكن هذه المرة ليست على قمم الدبشة او بيت ياحون وغيرها من القمم التي عهدنا رايات المقاومة أن ترفع عليها، إنما على تلة موسى في القلمون، فقط مع فارق الجغرافيا، لتنتقل المعركة من الأصيل الى الوكيل، ولتُسمع من يعنيهم الأمر ان الجليل نزهة امام القلمون. راية ٌأعادت الى أذهان الكيان الإسرائيلي ذكريات مرّة، لكن ببصمةٍ جديدة. فماذا حملت هذه الراية مجدداً ؟
ضُرب حلفاء الكيان الإسرائيلي، فتساقطوا تلاً بعد تل، وجرداً بعد آخر، لتهويَ مواقعُهم بسرعة الري العاصف في اعالي الجبال. طلعة موسى اليوم تنذر ما تبقى من مواقع الإرهاب بأن الفرج قريب، ومآلُها الى حضن اهلها اللبنانيين والسوريين ليس ببعيد. وعلى امتداد مرتفعات القلمون بضفتيها اللبنانية والسورية واصل الجيش السوري والمقاومون تطهيرَ تلال جبل الباروح ممن تبقى من عناصر الارهاب، فقُتل العشراتُ منهم وفرَّ آخرون الى مخبأٍ يُؤويهم الى حينٍ لن يطول.
هذه الصفعة وصلت أصداؤها الى تل ابيب، محدثةً ربما تساؤلات كثيرة لا توجد أجوبة عليها في المدى القريب، خاصةً فيما يتعلق بالجليل الموضوع ضمن روزنامة عمليات المقاومة في الحرب المقبلة مع الكيان الإسرائيلي، مع العلم أن الفارق الجغرافي من حيث التضاريس والإرتفاعات كبير جداً، فجبال القلمون التي يصل ارتفاعها الى 2580 متراً اكثر ارتفاعاً من الجليل، حيث يصل إرتفاع أعلى قمة في جبل الجرمق وهو أعلى جبال فلسطين، 1208 متراً، وجبل كنعان، قرب مدينة صفد 841 متراً، وجبال القلمون جرداء يستطيع المُحصن والمُدافع رؤية المهاجم من مسافة كبيرة مما يعطيه حرية المناورة والحركة ويستطيع من خلالها المبادرة للقضاء على المهاجم قبل الوصول الى السفوح، أما جبال الجليل فتتشكل عموماً من مرتفعات صخرية مغطاة بالخضرة، حيث تحتوي على الأنهار والغابات والاشجار وتعتبر منطقة سياحية. هذه التضاريس ستساعد المقاومة علي حركة الهجوم وهذا يعني أن السيطرة على الجليل من الناحية الهجومية أسهل من جبال القلمون، وهذا ما قد يؤرق ضباط الكيان الإسرائيلي الذين يتابعون بدقة معركة القلمون. فإذا كانت هذه الصفعة لا تعني بالضرورة نهاية المعارك، فإن رسالة ضمنية أخيرة، يحملها مشهد زرع الراية على قمة موسى، الى جنرالات الكيان الإسرائيلي: كم هي جغرافيا الجليل أكثر وداعة من الجغرافيا القلمونية؟
وأما من الناحية الثانية فجاءت معركة القلمون لتحمل في طياتها أجوبة كثيرة على تساؤلاتٍ عن محور المقاومة وتخليه عن سوريا في الوقت الراهن، في ظل تكتل المحور الإقليمي عبر ما يسمى بجيش الفتح الذي عُول عليه في جسر الشغور وكان يُراد منه النتيجة ذاتها في القلمون. لكن مجريات المعركة أعادت خلط أوراق الإرهابيين ومن ورائهم وموضحةً بأن محور المقاومة مازال قوياً لكنه يعمل بنظرية التكتيك، وبهذا المعنى، فإن «معركة القلمون» تمثل «صفعة كبرى» تشبه الى حد كبير معركة القصير. وهي ترافقت مع عدة تطورات تمثلت بزيارة وزير الدفاع السوري العماد فهد جاسم الفريج الى طهران، وصمود المقاومين في مستشفى جسر الشغور، والحشد الكبير في سهل الغاب، وزيارة رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي الى دمشق، وصولا الى انتقال النار اليمنية الى داخل الحدود السعودية.
لم تكن معركة القلمون ذات تأثير على الساحتين الإسرائيلية والإقليمية فحسب، لكنها ايضا تعني الداخل اللبناني بحماية القرى اللبنانية المتواجدة على السلسلة الشرقية، بالإضافة الى نزع شوكة عرسال من الجسد السوري النازف، وقد تشكل هذه المعركة بداية لنهاية معضلة هذه البلدة (التي أُريد منها استنزاف دمشق) عبر فصلها وجرودها عن الحدود السورية. ومن ناحية أخرى سعت المقاومة الى تحييد عرسال في الوقت الحالي، لقطع الطريق أمام من كانوا يهولون من نتائج تلك المعركة ويروجون لخطوط حمراء سعودية، فكانت معركةً نظيفةً بكل المعايير العسكرية والأمنية محدثةً صدمةً لدى الكثيرين من حيث المدة الزمنية والخسائر التي لم تتجاوز 10 شهداء على امتداد ساحات شاسعة، علما بحسب مصادر ان المدة الزمنية للمعركة هي 25 ايار ذكرى تحرير جنوب لبنان.
اذاً وصلت رسالة القلمون الى كل من يعنيهم الأمر من الإسرائيليين ودول المحور الاقليمي، أن محور المقاومة مازال يمسك بزمام الأمور، والسيناريو الذي رسم بالتهويل الإعلامي والنفسي حول سقوط دمشق وشائعات عن اغتيال الرئيس الاسد بالإضافة الى تخلي طهران عن دعمها لدمشق، كلها تلقت صفعة مدوّية. ولم تسلم من تلك الصفعة حتى وسائل إعلام عربية ولبنانية، شاركت بشكل حثيث في الترويج لهذا التهويل، صفعة متعددة الأهداف جاءت مدويةً لترسم معالمَ جديدة في سياق الصراع المحتدم من اليمن مروراً بالعراق وصولاً الى سوريا، ولكن ماذا بعد القلمون هل هي جسر الشغور وادلب ام هناك نزال في ساحات اخرى؟؟