الوقت- الهجمات الكيماوية واحدة من أبشع أدوات الحرب، ولا تطال المقاتلين فقط، بل تصل فظاعتها لتطال الأبرياء والمدنيين. وعلى الرغم من القوانين والإتفاقيات التي أجريت للحد من استعمال الغازات السامة في الحروب واعتبارها جرمًا يحاسَب عليه، إلا أننا لا زلنا نشهد مثيلاتها في الحروب القائمة في الوقت الحالي. ففي الأزمة السورية لطالما وصلت تقارير عن استخدام الإرهابيين لمواد سامة، إلا أن المجتمع الدولي لم يحرّك ساكنًا. أما ما حصل مؤخرا في خان شيخون من تفشٍّ كبير للغازات بعد الهجوم، والحملات الإعلامية المكثفة التي رافقته، جلب أنظار الدول إليه، وحاز على اهتمام ومتابعة دولية واسعة.
في الرابع من نيسان من العام 2017، إنتشرت أخبار عن هجوم كيماوي تعرضت له منطقة خان شيخون جنوب محافظة إدلب، ولاقت إهتماما كبيرا خصوصا في وسائل الإعلام الغربية، التي قامت مباشرة بتوجيه اصابع الإتهام، وبدون أي دليل منطقي، إلى الدولة السورية، وبدأت بعدها حربًا إعلامية على الجيش السوري، إتهموه فيها بارتكاب أعمال غير إنسانية في خان شيخون. حملات إعلامية بدأت قبل أي تحقيق او تحرٍّ عن الحادث. لتأتي روسيا بعدها وتعلن أن ما حصل في خان شيخون ليس هجوما كيماويا للدولة السورية بل ناتج عن استهداف مخازن أسلحة للإرهابيين، كانت تحوي مواد كيماوية وسامة، أدى إلى انتشار تلك الغازات. إعلان تبنته الدولة السورية أيضا.
لم يقبل الغرب بما أُعلن، وتابع اتّهامه للدولة السورية، وبعد الهجوم بأيّام أعطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا بضرب مطار الشعيرات العسكري، دون أخذ إذن الكونغرس، وذلك بسبب ما كان يقال بأن الهجوم على خان شيخون تمّ من هناك. ردّات الفعل غير المنطقية والمستعجلة التي قام بها الغرب قبل تشكيل أي لجنة لتقصي الحقائق، يضع علامة استفهام كبيرة على ما حدث، ويزيح الستار عن فبركة الحملة الإعلامية التي عقبت الهجوم، ويعزز نظرية المؤامرة على الدولة السورية وحلفائها بغية إضعافهم. ذكر بعض النقاط في هذا المجال قد يساعد على فهم أوضح لما حصل:
1- بعد مرور أكثر من شهرين على وقوع الحادث، لا زالت الدولة السورية مصرّة على أنها لم تكن خلفه، أمّا الغرب فما زال يصرّ على ذلك، بدون أن يعمل على إثبات نظريته عبر تشكيل لجنة تقصي حقائق. وقد أكدت كل من روسيا وسوريا على ضرورة تشكيل لجان، إلا أن الطرف المقابل لم يقبل كعادته. وفي الجلسة الأخيرة للأمم المتحدة، أُعلن أن الغاز المستخدم كان غاز السارين، بدون ذكر الجهة التي نفذت الهجوم، مما جعل الدول الغربية تتهم الدولة السورية بالتقصير لاحتوائها غازا ساما كهذا. في وقت كانت سوريا قد سلمت حتى العام 2014 جميع الأسلحة والمواد الكيماوية التي كانت تملكها الى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وفق القرار 2118 الصادر عن مجلس الأمن، وقد اعطت المنظمة فيما بعد تقارير حول إخلاء الأراضي السورية من الأسلحة الكيميائية.
رغم كل ذلك يرفض الغرب الرجوع الى تلك التقارير، وما زال يصرّ على اتّهام الدّولة السورية، التي أكدت مرّات ومرّات عدم وقوفها خلف الحادث، والرئيس الأسد أيضا تحدث عن فبركة الغرب لما حصل. وكما أشرنا، واجهت الإتهامات إعتراضا روسيا حاداً، وتحدث وزير خارجيتها أيضا عن مراوغة أمريكية - فرنسية - بريطانية واعتبرها محاولة عرقلة للحؤول دون كشف مجريات ما حدث.
2- خلال الأزمة السورية نفذت المجموعات التكفيرية العديد من الهجمات الكيماوية، والدولة السورية قدمت مرارًا وتكرارًا تقارير عن ذلك، إلّا أنّ المؤسسات الدولية لم تتحرك لمتابعة الموضوع، امّا حادثة خان شيخون فلاقت هجمات سياسية وإعلامية واسعة على الدولة السورية وداعميها في المنطقة. السؤال الذي يطُرح الآن، في حال إثبات أن المجموعات الإرهابية كانت تملك مواد كيماوية، والجيش السوري قام بتفجيرها باستهدافه المخزن، من المسؤول عن دخول مواد كهذه الى سوريا؟ الداعمين الإقليميين للإرهاب أم الدول الغربية؟ او المجتمع الدولي الذي تجاهل التقارير السورية؟ إن هذا لوحده يظهر إزدواجية المعايير الغربية حول مسئلة حقوق الإنسان.
3- بدون أي تحقيق او تحرّ، تعاطت الإدارة الأمريكية مع فرضية وقوف الدولة السورية خلف الهجوم، وقامت بقصف مطار الشعيرات. وإذا أخذنا بعين الإعتبار أن هذا المطار هو أحد خمسة قواعد عسكرية يستخدمها الجيش السوري في حربه على الإرهاب، نفهم أن أمريكا كان لديها أهداف ونوايا مبطّنة من عملية خان شيخون، واستفادت من ضحايا أبرياء وإعلام موجّه، لتصل إلى أهدافها السياسية والعسكرية ضدّ الدولة السورية.
4- الدول الغربية لم تتّهم الدولة السورية فقط في الوقوف حول الهجوم، بل اتّهمت معها المدافعين عن سوريا أيضا، أي محور المقاومة. وإن خطابات المسؤولين الألمان التي تتهم إيران وروسيا بالتقصير الى جانب سوريا، توضح أن محور المقاومة كان هدفًا للّعبة السياسية ووسائل الإعلام الغربية.
5- وسائل الإعلام الداعمة للغرب، كرويترز، CNN والجزيرة، شنّت الهجوم على الدولة السورية مباشرة بعد حادثة خان شيخون، ووفقا لكلام الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، إن بعض وسائل الإعلام نقلت إعترافاً عن أحد أعضاء الجماعات المسلحة السابق، والذي قال فيه أن حادثة خان شيخون مفبركة، لكي يعزلوا الدولة السورية عشيّة المفاوضات الروسية - الأمريكية.
في النهاية، بغض النظر عن صحّة هذه التصريحات، تتعزز يوما بعد يوم فكرة أنّ ما حصل في خان شيخون كان مفبركًا، ويجب الإقرار بأن المواطنين الأبرياء الذين قضوا هناك، كانوا ضحايا لعبةٍ إعلامية غربية، لضرب محور المقاومة، وتغطية فشلهم في مواجهته.