الوقت - بعد مرحلة من التهديدات والتهويلات الأمريكية العسكرية لكوريا الشمالية، واستجرار أسطول لا يقهر وصفه دونالد ترامب بـ"أرمادا" وذلك لحسم الصراع عسكريا، يبدو أن الأمريكيين عادوا إلى رشدهم وباتوا مستعدين للتفتيش عن الحلول الدبلوماسية لتلك الأزمة التي تعود إلى أواسط القرن المنصرم.
حيث أعلن وزير الدفاع الأمريكي "جيمس ماتيس" خلال مؤتمر صحفي حول التجارب النووية والصاروخية لكوريا الشمالية "إن معالجة هذا الموضوع بالطرق العسكرية سيؤدي إلى نتائج كارثية وخيمة وبمستوى غير قابل للتصديق" كما أكد أن "أمريكا تسعى حاليا وبالتعاون مع الأمم المتحدة، الصين، اليابان وكوريا الجنوبية من أجل إيجاد حل للوضع الاستثنائي الحالي".
هذا وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن في وقت سابق جهوزيته للقاء الزعيم الكوري الشمالي من أجل التفاوض معه بشكل مباشر.
هذا الأمر يشكل تحولا جديا في طريقة المقاربة الأمريكية للأزمة، فخلال السنوات السابقة اعتمدت أمريكا عدة سياسات في مواجهة كوريا الشمالية ومنها: الحصار ووضع عقوبات اقتصادية، إعلان نفاذ الصبر الأمريكي اتجاه كوريا الشمالية، عدم التفاوض، التهديد والوعيد بشن حملة استباقية مفاجئة والطلب من الصين بشكل متكرر زيادة الضغط على بيونغ يانغ.
طبعا لم تكن أي من هذه السياسات ناجعة في كبح جماح البرنامج النووي الكوري الشمالي، أو إيقاف تطوره، فلا يزال هذا البلد في حالة تقدم وتطور متسارع لهذه التكنولوجيا.
اليوم ومن أجل تحقيق الهدف الأمريكي بالتواجد في شبه الجزيرة الكورية وللضغط على الصين، من المرجح أن تستمر أمريكا في سياساتها اتجاه بيونغ يانغ من خلال زيادة الضغوط والعقوبات الاقتصادية والسياسية، رفع وتيرة الحرب الالكترونية والسايبرانية والطلب من الصين زيادة ضغوطها على البلد الجار الذي تشكل الصين المورد الأهم له على الصعيد التجاري.
هنا يوجد الكثير من الأسباب التي تمنع الصين من التجاوب مع الطلب الأمريكي، أسباب نذكر منها أمرين هما من الأهم:
الأمر الأول: طبيعة البرنامج النووي الكوري الشمالي الذي يشكل تهديدا لأمريكا، لا يشكل بالواقع تهديداً حقيقياً للصين الجارة الصديقة، وبذلك فإن هذا الأمر يمكن أن يشكل بطاقة رابحة بالنسبة للصين في المفاوضات مع الأمريكيين، وليس من المنطقي أن تتخلى الصين عن هذه البطاقة دون كسب امتيازات مهمة من الأمريكيين.
الأمر الثاني: إسقاط حكم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون، إضافة إلى عدم الاستقرار الذي سيبثه في المنطقة فإنه قد يؤدي إلى فوضى في شبه الجزيرة الكورية بسبب الحضور الأمريكي العسكري، والصين بصفتها القوة الأبرز في المنطقة ستكون المتأثر الأكبر من أي خضة أمنية خاصة أن هدف أمريكا الاستراتيجي هو الضغط على الصين اقتصاديا وسياسيا. لذلك فإن القلق من أي فوضى قد تعم شبه الجزيرة الكورية هي أكبر بمراتب من أي خوف من التجارب النووية الكورية الشمالية.
خلاصة هذه التحليلات هي التالي: عدم توقف البرنامج النووي والصاروخي الكوري الشمالي يعتبر صفعة قوية لحيثية التهديدات العسكرية الأمريكية. فعلى الرغم أن أمريكا قامت بزيادة حضورها قبالة سواحل كوريا الشمالية، إلا أن الأخيرة لم تتراجع قيد أنملة عن تجاربها واستمرت بها معتمدة سياسة التقدم إلى الأمام، وفي المقابل فإن الجانب الأمريكي غير لهجته العالية التي بدأ بها متخذا منحى جديد وهو الاستعداد للتفاوض المباشر مع بيونغ يانغ لإيجاد سبل لحل الأزمة.