الوقت- باتت دول عالمنا الحديث تتغنى بالإنتخابات الديمقراطية التي تقيمها لانتخاب الرؤساء و النواب و غيرهم، وتتفاخر بنسب الاقتراع والاقبال على الانتخابات لما يعكسه ذلك من حريات مجتمعية وتحقيق للديمقراطية في هذه الدول، فما هي هذه الانتخابات وكيف تطورت مع مرور الزمن وأين وجدت لأول مرة؟
الانتخابات هي عملية صنع القرار من خلال انتخاب الناس لفرد أو أفراد يمثلونهم من خلال توليهم مناصب عامة، وتعتبر هذه العملية هي الآلية المعتمدة والمعمول بها في الانظمة الديمقراطية التمثيلية الحديثة منذ القرن السابع عشر. ويمكن بواسطتها انتخاب ممثلي الشعب في السلطة التشريعة، وأحياناً في السلطات التنفيذية والقضائية والحكومات الاقليمية والمحلية كالبلديات وغيرها. كما باتت الانتخابات اليوم تعتمد في الكثير من المؤسسات والمنظمات العامة والخاصة وحتى التجارية فضلاً عن الأندية والجمعيات على أنواعها.
أما صورة الانتخابات الحديثة وطريقة الاستفادة منها لاختيار ممثلين عن الشعب في الديمقراطيات الحديثة يختلف عما كان سائداً في المدرسة القديمة من النموذج الديمقراطي كأثينا القديمة مثلاُ، حيث اعتبرت الانتخابات آنذاك مؤسسة أوليغارشية "أحادية" يتم فيها ملئ المناصب السياسية العامة عن طريق الفرز أو ما سمي بالتخصيص المبني على أساس حق الترشح لفئة معينة من الناس كالنبلاء الذين تفرز وتوزع المناصب بينهم على سبيل المثال.
ويهدف الاصلاح الانتخابي إلى تحسين فاعلية الفئة الحاكمة في مجتمع أو شركة او حتى أسرة ما من خلال نظام المحاسبة والتصويت على أساس النتائج المحققة وأداء المنتخبين، وهذا الأمر يساهم في تطوير المؤسسات ويحسن أداء المنتخبين ويحقق عدالة اجتماعية للناس كما يساهم في توسيع هامش الحريات وإيصال صوت الطبقات المجتمع كافة إلى المسؤولين عبر صناديق الاقتراع.
تاريخياً:
استخدمت الانتخابات في وقت مبكر من التاريخ في مجتمعات وأمبراطوريات كاليونان القديمة وروما القديمة، وطوال فترة القرون الوسطى لاختيار حكام مثل الإمبراطور الروماني والبابا، وكذلك استخدمها العرب القدامى لاختيار قادتهم.
كما أنه وفي الفترة الفيدية في الهند، الراجا "الرؤساء" في "غانا" -وهي منظمة قبلية- كانوا ينتخبون من قبل أبناء القبيلة. و الراجا كان عادة ينتمي إلى طبقة النبلاء وهو في أغلب الأحيان ابن الراجا السابق، ومع ذلك كانت الكلمة الأخيرة في انتخابه لأبناء القبيلة.
وكذلك سجل التاريخ أيضاً عملية انتخاب "بالا" ملك "غوبالا" في أوائل القرون الوسطى في البنغال من قبل مجموعة من الزعماء الإقطاعيين. وكانت هذه الانتخابات شائعة جدا في المجتمعات المعاصرة في تلك المنطقة.
والامر نفسه في إمبراطورية تشولا (حوالي 920 م) في أوثيرامور (في تاميل نادو الحالية)، استخدمت أوراق النخيل لاختيار أعضاء لجنة القرية. حيث كانت الأوراق توضع داخل وعاء مصنوع من الطين وعليها أسماء المرشحين. ولتحديد أعضاء اللجنة يطلب من صبي صغير أن يختار أوراق بعدد المناصب المتاحة وهو ما عرف بنظام كودافولاي.
ولم تظهر فكرة "الانتخابات" الحديثة بأشكالها الحالية التي تتألف من انتخابات عامة للمسؤولين الحكوميين، حتى بداية القرن السابع عشر عندما اعتمدت فكرة الحكومة الممثلة للشعب في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية.
وقد رافقت عملية الانتخابات آنذاك مسائل حقوقية مثل حق الاقتراع لصالح الأقليات، وغالباً ما سيطر الذكور على الانتخابات في أمريكا وأوروبا إذ كانت المجتمعات آنذاك ذكورية في معظمها واللافت أن هذه السيطرة لا تزال مستمرة في بعض البلدان التي تعتبر متحضرة حتى يومنا هذا.
كما هيمن الذكور من الطبقة الحاكمة على الانتخابات في وقت مبكر في بلدان مثل بريطانيا أمريكا. إلا أنه وبحلول عام 1920، بدأت جميع الديمقراطيات في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية بإعطاء حق الاقتراع العام للذكور البالغين من عامة الشعب (باستثناء سويسرا) وبدأت بلدان كثيرة بإعادة النظر في حق المرأة بالتصويت. وعلى الرغم من أن حق الاقتراع العام للذكور البالغين بات قانويناً في كثير من تلك البلدان إلا أن حواجز سياسية أقيمت في بعض الأحيان لمنع تحقيق العدالة الانتخابية لأهداف الهيمنة السياسية والامساك بالسلطة في تلك البلدان.