الوقت- مما لاشك فيه أن ظهور الجماعات التكفيرية وتكاثرها بهذه الطريقة لم يكن وليد الصدفة، حيث تشير الوقائع والأبحاث في هذا الموضوع إلى أن هذه الجماعات هي نتاج لمشاريع تم تحضيرها والتجهيز لها منذ عدة عقود لتخترق جسد الأمة عبر الترغيب والترهيب مظهرة وجهها الحقيقي خلال فترة وجيزة للعالم أجمع حاصدة معها أرواح آلاف الأبرياء.
ومن خلال دراسة بسيطة لجرائم هذه الجماعات الإقصائية نجد أنها لم تفرق بين طائفة أو أخرى ولا حتى بين دولة وأخرى فهي لاتحمل في أجنداتها سوى شعار القتل ومن ثم القتل لمن لا ينضوي تحت رايتها، وهذا ماشهدناه في الدول التي تشهد حروب ونزاعات داخلية كسوريا والعراق وأفغانستان وغيرها، حيث قتلت هذه الجماعات آلاف الأطفال والنساء وعلماء الدين في تلك الدول.
وهنا لابد من تسليط الضوء على قضية مهمة جدا أشار لها الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير حول خطر الجماعات التكفيرية والمجازر التي ترتكبها بحق المدنيين قائلا بالحرف الواحد " الجماعات التكفيرية هي خطر على أهل السنة والجماعة قبل غيرهم".
هذه العبارة اذا أردنا الغوص في معانيها ودلالاتها نجد أنها تتقاطع كثيرا مع ما كان يشير له باستمرار إمام الجامع الأموي في دمشق، العلامة السوري الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي الذي اغتالته الجماعات التكفيرية نتيجة لمواقفه الوطنية المدافعة عن وحدة تراب بلاده والرافضة للفكر الوهابي التكفيري، حيث كان العلامة البوطي وهو أحد رموز الطائفة السنية في سوريا يدعو إلى التهدئة ونبذ العنف قائلا في احدى خطبه بعد أن قام تنظيم "داعش" الإرهابي بارتكاب مجزرة بحق قرية سنية " أن سورية تقف في وجه الإرهاب الوهابي التكفيري وتطرف التكفيريين وابتداعات الوهابيين التي يستخدمونها لنبذ الدين وإبعاد مظلة الدين عن مجتمعنا الإسلامي السوري الذي كان ولايزال يتنفس برئة الإسلام والدين الواعي السليم الذي يعد المثل الأعلى في الاقتباس من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله".
وتظهر الوقائع أن "داعش" لايهتم بمن هو سني أو شيعي أو من أي دين آخر، والدليل جرائمه التي يرتكبها بحق الجميع دون رحمة، فهذا التنظيم الإرهابي استهدف الأبرياء من العلماء وشيوخ المساجد والمدنيين، وإذا أردنا إحصاء جرائم هذا التنظيم بحق أهل السنة في سوريا والعراق وأفغانستان لرأينا أنها تفوق جرائمه بحق الطوائف الأخرى.
وهنا نستعرض مجموعة من المجازر الجماعية التي ارتكبها "داعش" بحق العشائر السنية في سوريا والعراق:
في سوريا
ارتكب التنظيم مجزرة مروعة بحق عشيرة الشعيطات احدى أكبر العشائر في شرق سوريا، حيث ذبح المئات من أبناء هذه العشيرة وأصدر حكما بالقتل على كل من يتجاوز عمره الأربعة عشر ربيعا، إلى أن وصل عدد ضحايا هذه العشيرة فقط إلى الثمانمئة قتيل ولم يكتفي التنظيم بذلك بل طارد أبناء العشيرة أثناء فرارهم ليقتل في الشعفة نحو مئة شخص، وفي هجين نحو مئة وخمسين وفي العشارة نحو خمسة وسبعين وأعدم بحقل العمر نحو خمسمئة.
في العراق
أفظع جريمة قام بها تنظيم "داعش" الإرهابي ضد أهل السنة كانت بحق أبناء عشيرة البونمر، حيث قتل التنظيم أكثر من 583 شخص من أبناء هذه العشيرة، ويُشهد لهذه العشيرة قتالها العنيد ضد التنظيم الذي حاول تحويل العراق إمارة له، وهنا لابد من الإشارة إلى ما قاله شيخ العشيرة حول ترحيبه بانضمام الحشد الشعبي ذي الاكثرية الشيعية إلى القتال معهم ضد "داعش" مضيفا " لو كان هناك خطر في البصرة، لوجب علينا المشاركة في الدفاع عن أرضنا فالعراق لنا جميعا"، ومن خلال الجملة الأخيرة نستطيع أن نستشف الرفض الشعبي لهذا التنظيم المجرم ومدى التلاحم الشعبي لجميع الطوائف في وجه هذا التنظيم الإرهابي.
ولم تقتصر جرائم التنظيم على أبناء البونمر فقد ارتكب التنظيم جرائم وحشية بحق أبناء الرمادي والفلوجة والكرمة حاصدا عشرات الأرواح من أبناء هذه المناطق حيث قتل 300 من عشائر البوفراج والبوغانم والبوعيثة، و 207 من الكرابلة والسلمان والبومحل، و 134 من الجبور، و89 من العبيد، و 72 من العزة، و 64 من الجيسات، و 47 من البوحشمة، و35 من البوفهد، و14 من البوعيسى.
ومن هذه الاحصائيات والأرقام نرى أن هذا التنظيم المتطرف يقوم بتكفير كل من لم يبايعه مهما كان دينه أو معتقده، متخذا من التكفير والتشدد والغلو منهجا له مقسما العباد بين مسلم "سلفي" و كافر ومرتد ومشرك "غير سلفي"، مدخلا البلاد في حمام من الدم عبر سلسلة من التفجيرات والاغتيالات مستهدفا أهل العلم والفكر والأبرياء من أهل السنة والشيعة والمسيحيين وكل من يخالفه فكره التكفيري.
وفي النهاية لابد أن نقول أن هذا الفكر التكفيري الاقصائي الغريب عن هذه المنطقة، لن يستطيع الاستمرار في هذا الشرق والتماهي معه فهو بعيد كل البعد عن تاريخه الثقافي والحضاري والتاريخي، ومن ينشر الكراهية والحقد والبغضاء بين المسلمين لن يكون له مكان في هذه الأمة والأيام ستشهد على ما نقول.