الوقت- إنها الغيرة والحميّة العربية، صفات لطالما ضُرب المثال فيها في الأدب العربي وتاريخهم المشرق. حيث عُرف العرب بالكرم وإيواء الضيف والوقوف مع المظلوم، ناهيك عن نصرة الأخ ظالما كان أو مظلوما. ولكن وا أسفاه فقد تبرأ العرب من هذه الصفات وانقلبت أحوالهم وباتوا عونا للعدو وسيف حزم على رقاب من أراد العزة في هذه الأمة.
دول وممالك ومشيخات، تذخر بالمال والثروات، يجيّرها حكامها اليوم لإخضاع شعوبهم وأممهم إضافة إلى تسخيرها في تدمير ما تبقى من أنظمة رفضت الخنوع أمام الاستكبار العالمي الذي سجد له أولئك. فكانت سوريا وكان العراق وقبلهما ليبيا ومصر محرقة مؤامراتهم البائسة وحقدهم القديم.
أما القضية الأساس وهي فلسطين، فقد باتت في غياهب النسيان. فلسطين اليوم سقطت من أجندة الأنظمة العربية المتخاذلة، وفي أحسن الظروف باتت شعارا إعلاميا فارغ من أي محتوى. وهذا الأمر بحاجة إلى كثير من التأمل. اليوم تخوض فلسطين حربا من نوع آخر، إنها معركة الأمعاء الخاوية التي بدأها الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ ما يزيد عن أسبوعين، معركة غائبة عن اهتمامات حكام البترودولار وأزلامهم من أشباه الرجال.
وبمتابعة بسيطة للإعلام العربي، لبرامجه ونشراته الإخبارية وبالخصوص لأساطيل الإعلام الخليجي، من العربية إلى الجزيرة مرورا بجريدة الشرق الأوسط ومئات المواقع والصحف والقنوات الصغيرة الأخرى. تجد أن أخبار إضراب الكرامة هي أخبار روتينية عابرة، أخبار لا تسلط الضوء على كافة جوانبه بل تكتفي بتمريره كأي خبر عابر.
سياسيا وعلى مستوى الجامعة العربية، فقد جاء تصريح من مندوب فلسطين يقول فيه أن قطاع فلسطين في الجامعة مهتم بالإضراب ويتابعه على مدار الساعة، دون تقديم أي مذكرة لمجلس الأمن، أو حتى الدعوة لجلسة طارئة لهذه الجامعة للتباحث في الموضوع. وهل هناك من حاجة لمثل هكذا جلسة؟ طالما أنها ومهما اجتمعت لن تتمخض سوى على الإبقاء على الدعوة إلى السلام العادل والشامل الذي بات الكيان الإسرائيلي نفسه يرفضه.
ناهيك عن الحديث والسعي العربي، والفلسطيني حتى لإنهاء هذا الإضراب قبل زيارة وفد السلطة وعلى رأسه محمود عباس إلى واشنطن. قد يكون السبب هو الخجل من دونالد ترامب الذي قد يوبخهم بسبب هذا الإضراب.
وأما في المقلب الآخر، قضايا الأمة الداخلية ومنها الحرب الدائرة في سوريا منذ ما يزيد عن سبع سنوات. حرب بتمويل عربي بامتياز. حرب دمرت سوريا وشردت جيلا بكامله.
إذا أردنا إعطاء أمثلة عن أداء الإعلام العربي إضافة إلى أداء الجامعة العربية فقد تكون مجزرة خان شيخون هي الأقرب إلى الذاكرة. فلم تلبث المجزرة أن تقع حتى بدأت أبواق الإعلام العربي بكيل التهم للنظام السوري وكذلك فعل الحكام العرب. وراحوا يدعون المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا بالرد على الهجوم، ووضعوا أنفسهم موضع المدعي والقاضي والجلاد. وأفردت القنوات ساعات وساعات لهذا الحدث على شاشاتها لتبين للعالم مدى فظاعة ما حصل، ففبركت ما فبركت، ولفقت ما لفقت حتى شفي غليلها بالضربة الأمريكية على مطار الشعيرات لتعتبر نفسها انتصرت للشعب السوري الذي كفر بها وبعروبيتها.
نفس هذا الإعلام يقف في أحيان كثيرة مع تنظيم داعش ضد الجيش العراقي والسوري، إعلام لا يعرف معنى الصدق والحرفية بل باع الضمير بدراهم وريالات معدودة لأمراء وملوك الخليج.
ونبقى في سوريا، مشهد لمجزرة أخرى، هذه المرة المتهم هو الجماعات التكفيرية، إنها المجزرة التي حلت بأبناء الفوعا وكفريا بعد إجلائهم وتجميعهم في حلب. فانظروا إلى ما صب الإعلام العربي اهتمامه عليه! فقد جهد هذا الإعلام ليظهر الجماعات المتطرفة بمشهد المساعد والمتلهف لتقديم المساعدة لضحايا التفجير، متناسيا المأساة بعد يوم من حصولها. وكذلك الحكام والجامعة العربية التي أدانت الاتفاق لأنه لم يكن تحت وصاية الأمم المتحدة. ونسيت إدانة التفجير الذي أودى بحياة العشرات جلهم من النساء والأطفال.
وفي نفس المقلب، هذه المرة في اليمن، حيث تستمر السعودية على رأس حلفها العربي في عدوانها، دونما هوادة فقتلت وشردت الآلاف على مدى عامين، واليوم الملايين مهددون بالمجاعة والمرض، ولا حسيب لهم إلا الله. وإعلام الخزي العربي يهلل وصفق لهذا العدوان ويُنشد فيه القصائد كل صباح ومساء. أما جامعة الدول العربية فلا حاجة لتبيان موقفها من كل ذلك، فهي تريد الشرعية للمخلوع هادي ولا شيء سوى ذلك.
نعم هذا واقع الحال، ولكن لا يجب أن نستغرب هذا، فالأمر طبيعي فالسعودية وقطر والإمارات والأردن وغيرهم من الأعراب دخلوا بحلف استراتيجي مع الصهاينة، فكيف لهم أن يقوموا بما يخرب عليهم هذا الحلف؟
في هذا الزمن نسي العرب قول الله تعالى في كتابه "أشداء على الكفار رحماء بينهم" فقلبوا المعادلات وباتوا أشداء على أهل ملتهم رحماء على من يفترض أنهم أعداء الله والأمة، فبأسا لهذا الزمن الرديء الذي يحكم فيه أعراب الجاهلية تحت راية الإسلام.