الوقت- تتطور الأحداث وتتسارع في ظل صراعٍ إقليمي ودولي على الساحة السورية. في حين خرج تصريح الرئيس السوري حول ما يُحضِّره الأردن في جنوب سوريا، والغارات الإسرائيلية في القنيطرة، لتُعيد النقاش في امكانية التحضير لشيءٍ ما على الجبهة السورية جنوباً. فما هي الحقائق التي تتعلق بالجنوب السوري والتي يجب أخذها بعين الإعتبار؟ وكيف يمكن قراءة ما يجري من أحداث وتطورات؟
حقائق تتعلق بالجنوب السوري وبعض ما يجري!
عدة أحداث حصلت مؤخراً تُشير الى تحركات ميدانية مختلفة الأطراف تواكبها رسائل إعلامية وسياسية. وهو ما نُشير له في التالي:
أولاً: على الصعيد العسكري، قصفت بالأمس الطائرات الإسرائيلية معسكرا لقوات الدفاع الوطني في منطقة نبع الفوار بريف القنيطرة جنوب سوريا. كما قام الإحتلال الإسرائيلي يوم الجمعة بقصف موقعين للقوات السورية في محافظة القنيطرة وقصف مدينة البعث مركز محافظة القنيطرة.
ثانياً: على الصعيد السياسي، خرجت وسائل إعلام وصحف عربية لتُسرَّب ما سُمي بوثيقة "عهد حوران" أو "دستور دولة الجنوب"، والتي كشفت عنها صحيفة الأخبار اللبنانية، وتحدثت عن مشروع إقامة إقليم أو منطقة حكم ذاتي تضم درعا والسويداء والقنيطرة في جنوب سوريا!.
ثالثاً: على الصعيد الإعلامي، اتهم الرئيس السوري بشار الأسد الأردن علناً، بالإستعداد لدخول بلاده عسكرياً من الجنوب السوري. وهو ما صرَّح به خلال حديث له مع وكالة سبوتنيك الروسية، والذي أشار خلاله الى امتلاكه معلومات مؤكدة بأن الأردن يَعُد العدة لإدخال قوات أردنية الى جنوب سوريا في إطار ترتيبات أمريكية.
رابعاً: بالإضافة الى ما تقدم، كشفت أوساط دبلوماسية لصحيفة "الرأي اليوم" عن إجراءات عسكرية وأمنية إحترازية غير مسبوقة على طول الحدود السورية مع الأردن وفلسطين المحتلة. وأبلغت مصادر مُطلعة الصحيفة بأن قوات عمليات خاصة تتواجد بقوة في المنطقة وتحديداً على طول جبهة جنوب سوريا وبالقرب من هضبة الجولان.
خامساً: من المعروف أن القوات المسلحة الأردنية ستُجري مناورات "الأسد المتأهب 2017" بمشاركة 23 دولة من بينها أمريكا، وذلك خلال الفترة ما بين 7 ولغاية 18 أيار القادم. في حين نقلت صحف غربية معلومات تتحدث عن وجود أمر عمليات أردنيّة أمريكيّة بريطانيّة مشتركة، ضد التنظيمات الإرهابية التي تتحرك في الجنوب السوري والمتواجدة على بُعد نحو 20 كيلومتراً من منطقة الركبان الحدودية مع الأردن.
سادساً: نقل موقع "والا" الإسرائيلي، عن ضابط في الجيش الإسرائيلي أهم ما يجري من تطورات تتعلق بالجنوب السوري. حيث أشار الى أن قوات الأوندوف وقوات الأمم المتحدة عادت لتَشغل مواقعها في شمال ووسط هضبة الجولان حيث مهمتها الحفاظ على الوضع الراهن بناءاً للتعليمات الإسرائيلية.
كل هذه الأحداث والتسريبات تقع في خانة كونها مؤشرات تتعلق بجبهة الجنوب السوري. فيما لا يمكن إغفال ترابطها.
تحليل ودلالات: الى ماذا تُشير هذه الحقائق؟
في قراءة لهذه المؤشرات ومن خلال ربطها بالأحداث كافة المتعلقة بالأزمة السورية خاصة جبهة الجنوب، نُشير للتالي:
أولاً: إن عملية رد الجيش السوري على الإعتداءات الإسرائيلية خلال الشهر الماضي عكست معادلات جديدة وأثبتت وجود تغيُّر في عقيدة الجيش السوري الحالية والمستقبلية تجاه التهديدات الإسرائيلية التي تطال السيادة السورية. وهو ما تعاملت معه القيادة الإسرائيلية ومن خلفها القيادة الأمريكية بجدية. حيث كان هذا التغيُّر أحد أسباب العمل العسكري الأمريكي ضد قاعدة الشعيرات الجوية تحت حجة مكافحة امتلاك سوريا للسلاح الكيميائي!
ثانياً: الى جانب التنسيق الأمريكي الإسرائيلي الواضح، والذي بات يأخذ معادلات محور المقاومة الجديدة في الصراع، لم تعد بعض الدول العربية تتردد في مواقفها المعادية لحزب الله وإيران تحديداً واتهامهم بالإرهاب. وهو ما يتوافق مع تصريحات سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة التي باتت تتحدث عن ضرورة إنهاء تجاهل مجلس الأمن للتهديدات المتنامية التي يُمثلها كل من حزب الله وإيران في المنطقة لحساب التركيز على الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني فقط. وهو ما قد يخدم جواً إعلامياً وسياسياً هادفاً، لتبرير أي عمل عسكري ضد محور المقاومة في سوريا.
ثالثاً: ليس بعيداً عن هذه الأجواء، قام حزب الله بإرسال رسالة واضحة للكيان الإسرائيلي ومن خلفه واشنطن وحلفاءها، الى أن أنظاره لم تغب عن الجبهة الجنوبية، وهو يُدرك حجم القلق الإسرائيلي من إمكانياته الهجومية، ويرصد تحضيرات تل أبيب الدفاعية. الأمر الذي أكمل المشهد، ليكون واضحاً أن خطوة حزب الله جاءت لتتضمَّن رسائل أبعد من الحدود اللبنانية الفلسطينية وتصل الى اليرموك والجنوب السوري وكامل مسار الصراع الذي توحده الساحات المتعددة.
رابعاً: تاخذ القيادة الإسرائيلية، تهديدات ورسائل حزب الله بجدية، وباتت تُدرك أنه لا يمكن حصر أي حرب مقبلة ضمن جغرافية لبنان وفلسطين فقط، في ظل معادلات أرساها حزب الله، باتت تحمي لبنان وتوسِّع دائرة المعارك لتكون أكبر من ذلك. حيث باتت الجبهة اللبنانية السورية واحدة. مما أفهم تل أبيب أن حزب الله ومحور المقاومة، هم من يُحددون ساحات المعركة، ومستعدون لذلك.
إذن، يبدو أن جبهة الجنوب السوري تقترب من الإشتعال. فتصريحات الرئيس السوري لم تكن من عدم. كما أن خطوة حزب الله والتي أطلقها من على الحدود، لم تكن مجرد استعراض. في حين يجب الوقوف عند قيام تل أبيب بقصف مواقع للجيش السوري في القنيطرة والعودة من خلال ذلك الى الإعتداء الأمريكي على قاعدة الشعيرات الجوية. ولا يجب أن ننسى الجو الإعلامي الذي ما تزال تسعى أمريكا لتلبيسه للدولة السورية ووضعها في خانة واحدة مع الإرهابيين عبر امتلاكها السلاح الكيميائي. كما أن تصريحات الأردن ووضعه حزب الله وإيران في خانة المجموعات الإرهابية التي تُهدد حدوده، أمرٌ آخر يجب الوقوف عنده.
لنقول أنه في النتيجة، هناك الكثير من التطورات الغامضة التي تُسيطر على أجواء الجبهة السورية جنوباً. فيما لا يمكن فصل الساحات ولا مصالح الأطراف الحليفة. لكن التساؤل يكمُن في الخطوات المستقبلية التي قد تلجأ لها الأطراف. في ظل واقعٍ مُعقَّد تتداخل فيه أدوار اللاعبين الإقليميين والدوليين. قد لا يريد أحدٌ فيه الحرب، لكنها يمكن أن تكون خيار الجميع المفروض! فهل سيكون الجنوب السوري كما الشمال مسرحاً لعمليات عسكرية تهدف لكسر محور المقاومة وتأمين منطقة آمنة للكيان الإسرائيلي وبدعمٍ ودورٍ أردني؟!