الوقت - تعد السعودية من الدول المؤثرة في الشرق الأوسط بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص لاسيّما ما يرتبط بعلاقتها مع الجمهورية الإسلامية في إيران، خصوصاً خلال العقد الأخير وتحديداً بعد أحداث ما يعرف بـ "الربيع العربي".
وتتأثر السياسة الخارجية السعودية إزاء إيران بعدّة عوامل، وهي تهدف في الحقيقة إلى الحدّ من نفوذ طهران في عموم المنطقة على جميع الأصعدة السياسية والأمنية وحتى الاقتصادية.
فما هي أهم هذه العوامل، وما هي النتائج التي تمخضت عنها حتى الآن؟
يمكن الإجابة عن هذه التساؤلات بما يلي:
- تعتقد السعودية بأن إيران تمكنت من مدّ نفوذها في العديد من دول المنطقة لاسيّما في العراق وسوريا والبحرين واليمن وإلى حدّ ما لبنان، وترى كذلك بأن السياسات الخارجية لبعض هذه الدول تتناغم مع السياسة الخارجية لإيران المتمثلة بدعم محور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة.
- تعتقد السعودية بأن إيران تمكنت من امتلاك قدرة عسكرية عالية المستوى لاسيّما فيما يتعلق ببرنامجها الصاروخي البالستي، الأمر الذي يمكنها من ردع أي محاولة للمساس بأمنها واستقرارها، وبالتالي ترى الرياض بأن هذه القوة قد رجّحت كفّة التوازن العسكري لصالح طهران في عموم المنطقة.
- بعد نجاح طهران في إبرام الاتفاق النووي مع مجموعة (5+1) في تموز/يوليو 2015 والذي أقر بحق إيران في الاستفادة السلمية من التقنية النووية، رأت السعودية في هذا النجاح تحدياً استراتيجياً، ما دعاها إلى التفكير بإنشاء برنامج نووي على غرار البرنامج النووي الإيراني، في وقت يعتقد فيه معظم المراقبين بأن السعودية لا تمتلك الخبرات والتقنيات العلمية التي تمكنها من بلوغ هذا الهدف، وهذا من شأنه أن يجعل الرياض تشعر بالهزيمة أمام طهران في هذا المجال.
ومن أجل مواجهة تفوق إيران في مختلف المجالات، سعت السعودية إلى عقد تحالفات مع دول إقليمية وغربية علّها تتمكن من تقليص هذا الفارق أو الحدّ من النفوذ الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية في عموم المنطقة. ولتحقيق هذا الهدف اتبعت الرياض سياسات متعددة يمكن الإشارة إلى بعضها بما يلي:
- تحالفت السعودية مع دول إقليمية بينها قطر وتركيا لعرقلة نجاح الحكومة العراقية التي تشكلت بعد عام 2003 والتي يتزعمها الشيعة في هذا البلد، وذلك من خلال دعم الجماعات الإرهابية والقيام بأعمال إجرامية تحول دون استتباب الأمن والاستقرار في العراق الذي تربطه علاقات جيدة مع الجمهورية الإسلامية في شتى المجالات.
- سعت السعودية بالتعاون مع قطر وتركيا للإطاحة بنظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد باعتباره حليفاً استراتيجياً لطهران ضمن محور المقاومة في عموم المنطقة. وانتهجت الرياض نفس الأسلوب الذي انتهجته في العراق - دعم الجماعات الإرهابية - وبشكل أوضح لإضعاف الحكومة السورية.
- شنّت السعودية بالتحالف مع دول غربية وإقليمية عدواناً واسعاً على اليمن قبل أكثر من سنتين، للحيلولة دون استمرار حركة أنصار الله في قيادة هذا البلد، باعتبار أن هذه الحركة باتت تشكل جزءاً مهماً من محور المقاومة الذي تدعمه إيران في المنطقة.
- كما سعت السعودية إلى إجهاض الثورة الشعبية في البحرين من خلال إرسال قواتها العسكرية في إطار ما يسمى "درع الجزيرة" لدعم نظام آل خليفة في قمعه للمتظاهرين السلميين المطالبين بالتغيير السياسي في هذا البلد، زاعمة أن هذه الثورة تتلقى الدعم من إيران. وسعت الرياض إلى إشراك دول أخرى في هذه المهمة كـ "باكستان" ومعظم بلدان مجلس التعاون.
ولكن على الرغم من جميع هذه المحاولات الرامية إلى تشكيل جبهة إقليمية وغربية ضد إيران، أخفقت الرياض في تحقيق أهدافها سواء في اليمن أو العراق وسوريا والبحرين ولبنان. فالعراق تمكن من دحر الإرهاب المدعوم من قبل السعودية، ولإيران دور كبير في دعم الشعب العراقي وقواه المسلحة في التخلص من التنظيمات الإرهابية لاسيّما "داعش". وهكذا الأمر في سوريا التي تمكنت قواتها بدعم من إيران وروسيا ومحور المقاومة من هزيمة الجماعات الإرهابية المدعومة من الرياض وعواصم أخرى في المنطقة. وهذه الانتصارات من شأنها أن تضعف جبهة السعودية وتقوي من جبهة المقاومة المدعومة من قبل الجمهورية الإسلامية في إيران.
وفي البحرين واليمن ورغم التدخل السعودي في شؤون الأولى وعدوانها الغاشم على الثانية لازال الشعب البحريني مصراً على نيل حقوقه المشروعة في الحرية والعزة والكرامة، كما يصر الشعب اليمني بقيادة "أنصار الله" على هزيمة التحالف السعودي - الغربي - الإقليمي رغم التفاوت الكبير بالقدرات العسكرية واللوجستية، وهذا الإصرار يشكل بحد ذاته هزيمة للمحور السعودي - الغربي، ويمثل في الوقت نفسه انتصاراً لمحور إيران - المقاومة الذي استطاع التغلب على جميع الصعاب والتحديات ليثبت جدارته في الميدان خدمة لشعوب المنطقة ضد المشاريع الاستكبارية - الرجعية التي تسعى لتمزيق الشرق الأوسط والسيطرة على مقدراته والتحكم بمصيره.