الوقت- قد نظن أن أزمات العنصریة والاضطهاد في المجتمع الأمریکي أو الکیان الاسرائیلي قد بدأت بعد مقتل الشاب الاسود مایکل براون ابن الثمانیة عشر عاما في بلدة فیرغسون الصغیرة وقرار المحکمة بتبرئة الشرطي القاتل وما جری بعدها من تظاهرات وما یجري في هذه الایام من مظاهرات کبیرة وعنیفة للسود في بالتیمور الامریکیة، أو ما یجري في تل ابیب من مظاهرات مشابهة للسود احتجاجا علی أکثر من ثلاثین عاما من الاضطهاد والعنصریة هناك. هذه الاحتجاجات المحقة ضد الظلم التاریخي لأصحاب البشرة السوداء هي ابرز مظاهر هشاشة تلك الأنظمة المرکبة والمُّشکلة أساسا فوق تاریخ من القتل والهمجیة.
فما تشکل أمریکا فوق دماء الهنود الحمر وما تلاه من صراع تاریخي علی السلطة بین المسیحیین الکاتولیك والیهود والذي اسفر عن سیطرة الیهود علی ارکان الحکم وادارة سیاسة البلاد کما یشاؤون، مستخدمین أبشع طرق الانتهازیة وإفراغ المجتمع من مبادئه عبر تسفیهه وإفساده اخلاقیا وجنسیا، بهدف الوصول لمراکز القرار والثروة وإفراغها من المنافسین من مسیحیین وسود، الامر الذی أشبع المجتمع بثقافة العنف والعنصریة والتی کانت إحدی نتائجه ارتفاع ثقافة الاضطهاد والتهمیش والإبعاد للسود من داخل السلطة السیاسیة ذات الأغلبیة البیضاء، لیتدرج الموضوع إلی وظائف الدولة وعناصر الشرطة. وخلال ذلك نشأت ثقافة خطیرة أسست لما نشاهده الیوم من اضطهاد للسود من قبل عناصر الشرطة وما یقابلها من مظاهرات وهي ثقافة من العنصریة برزت عبر خروج شعارات تتردد بین عناصر الشرطة کمثل "نحن ضدهم" أو " هم " والمقصود منها نبذ السود طبعا، وما لحقها من عسکرة للشرطة الامریکیة عبر تدریبها تدریبا عسکریا وتزویدها بأسلحة حربیة تشجع حاملها علی القتل.
أما في الکیان العبري فالوضع لیس بأغرب بکثیر، فالکیان الناشئ علی مبادئ العنصریة والقتل والاضطهاد والمفروز عنصریاً لطبقات اجتماعیة تتبع لأصل البلد الذی هاجر منه، فصاحب الاصل الأوروبی أو الامریکی هو من الدرجة الاولی وصاحب السلطة والقیادة والمال والمتحکم بکل مفاصل الدول من الدرجة الثانیة أما العربي فدرجة ثالثة وأصحاب العرق الاسود درجة رابعة. وهذا یعني أننا أمام کیان مشکل أصلا من مرتزقة مجموعین من مختلف دول العالم. وکما تجمع وتکاثر السود في أمریکا کذلك في الکیان الإسرائیلی، حتی بات یقیم في فلسطین المحتلة أکثر من 120 ألف یهودی من أصل أثیوبی والذین لم یعترف بیهودیتهم إلا مؤخراً والذین یشهدون الاضطهاد في کافة مؤسسات الدولة من مدارس وجیش ووظائف وحتی مستشفیات.
بناءً علیه لا یختلف کثیرا الکیانان، الأمریکی والإسرائیلي، في أصل التکون والتطور والنظام الاجتماعي الطبقي والعنصري، ویجتمع فیهما سیطرة الفئة الیهودیة سیاسیا واقتصادیا وثقافیا کما یجتمع الاضطهاد المفرط ضد العرق الأسود والذي کان الاساس في الطبقة العاملة التي بنت هذین الکیانین.
وفي السیاق من الصعب أن تجد رأیا یجهر بمعارضته لاحتجاجات السود في البلدین کونه یصعب الدفاع عن الشرطة المدججین بالسلاح وبوسائل القمع والذین ما زالوا یتجرؤن علی قمع مظاهرات السود العزل بالعنف والشدة ولم یعد عجیباً أن نسمع في مظاهرات الیوم بسقوط 50 جریحا من المتظاهرین الأثیوبیین في الکیان العبري، وطبعا حسب ما اعترف به إعلامهم الموجه. لکننا وفي الحد الأقصی قد نقرأ من بعض الأقلام العنصریة انتقاداً للمظاهرات بکونها تسبب عنفا اجتماعیاً وخللا أمنیا ومن هذا القبیل، في محاولة لتحریف المواضیع والتغطیة علی أعمال الشرطة هناك وتبرئة ساحتها والتي لیست سوی نتیجة مباشرة للسیاسات الفئویة المعتمدة. لکن وللأسف یعم أغلبیة الصحافة العالمیة الصمت والابتعاد عن التعلیق أو التندید بالخبر أو حتی ذکره مراعاةً لمصالحها مع أمریکا والکیان الإسرائیلي وللأسف جبن في بعض الأحیان وخنوع وخوف في أحیانٍ أخری.
وبالطبع لا یستطیع أي ضمیر حي وقلم موضوعي إلا التندید والاستنکار لهذا المسلسل المستمر، منذ سنین طویلة، للقمع والاضطهاد والتفرقة العنصریة وما ینتج عن ذلك من ظلم وتهمیش واستعباد، وقد تدهشك السیرة التاریخیة السوداء الطویلة لهذه التفرقة العنصریة وکیف أن هاتین الدولتین ما زالتا تعیشان الأزمة ذاتها منذ تشکلهما حتی الیوم. والغریب في الأمر لماذا وکیف ساهمت سیطرة العصبیة الیهودیة في تزاید هذه العنصریة وتفشیها حتی صعب ضبطها وأسفرت ومازالت عن قتلی وجرحی بالمئات.