الوقت- دخلت العلاقات المصرية السودانية مرحلة جديدة حملت معها خلافات في السر وابتسامات في العلن، بعد أن كانت تجمع البلدين الشقيقين أواصر الصداقة والتضامن حيث ظهر إلى العلن في الآونة الأخيرة نقاط اختلاف قديمة وجديدة حول مجموعة من القضايا حملت معها الكثير من التساؤلات حول أسباب هذا الخلاف ومن يقف وراءه وهل يعود السبب في ذلك إلى موقف مصر من سوريا أم إلى عودة العلاقات بين السعودية والسودان بعد قطيعة استمرت إلى نحو ثلاث سنوات؟!
ويرى المتابعون لتطورات الأحداث بين القاهرة والخرطوم أن أخطر ما في الأمر أن تتحول الخلافات المستترة أو المعلنة إلى ملاسنات كلامية بين الشعبين الشقيقين على وسائل التواصل الاجتماعي لتتجاوز ذلك إلى بعض القنوات الإعلامية، وهذا ما سبب قلق كبير لكل شاهد على التاريخ الحضاري للجارين الشقيقين وعلى تجذر العلاقات بينهما.
الأسباب ومحاولات تضييق الهوة
تصاعد الخلاف بين الخرطوم والقاهرة في الفترة القليلة الماضية على خلفية زيارة والدة أمير قطر، الشيخة موزة بنت ناصر لأهرامات مروي التاريخية شمال السودان، وعلى اثر هذه الزيارة بدأ التراشق الإعلامي بين البلدين وخاصة بعد التصريحات التي أدلى بها وزير الإعلام في السودان الذي صب زيتاً على النار عندما قال إن آثار السودان أقدم من آثار مصر، وإن "فرعون موسى كان أحد الفراعنة السودانيين الذين حكموا مصر" الأمر الذي استفز الشعب المصري معتبرين ذلك إهانة ومحاولة للتقليل من شأن بلدهم وتاريخه.
الأمر الثاني الذي زاد من حدة التوتر هو عودة قضية مثلث حلايب وشلاتين مع مصر، حيث شكلت السودان لجنة لدراسة هذه القضية، وقدمت وثائق ومستندات تزعم بأن المثلث من حق السودان، وبهذا فإن السودان تحاول إخراج مصر من المثلث عبر الطريق الدبلوماسي، طبعا المثلث يقع ضمن الأراضي المصرية وأي محاولة تدويل له تحتاج لموافقة الطرفين المصري والسوداني.
الأمر الثالث هو تغيير موقفها من ملف سد النهضة في خطوة تصعيدية مفاجأة، قيل أن سببها هو الضغوط الدولية التي تتعرض لها الخرطوم من قبل إثيوبيا وبالتالي فهي تقاوم هذه الضغوط عن طريق الضغط على مصر، ولكن السؤال لماذا تضغط الخرطوم على القاهرة في هذا الملف مع العلم أن البلدين سيتضرران من قيام أديس أبابا بزيادة السعة التخزينية لسد النهضة؟!.
تقول مصادر مطلعة أن إثيوبيا أغرت السودان بالكهرباء مقابل أن تساندها في قضيتها ضد مصر، ومن ناحية أخرى تقوم السودان باستغلال التوتر الحالي بين مصر والسعودية لتقوم بتوفير ما تحتاجه الرياض من القارة الإفريقية، حيث غيرت السعودية من مواقفها تجاه مصر على خلفية تصريحات الأخيرة وموقفها من النظام السوري في دمشق، لتدعم المملكة بذلك الخرطوم في ملفاتها المتنازع عليها مع القاهرة وتساندها في إحياء ملف مثلث حلايب و المطالبة بحق السودان فيه، كذلك الأمر بالنسبة لقضية سد النهضة في محاولة من الرياض لإدارة هذه الملفات بالتعاون مع الكيان الإسرائيلي القريب من أثيوبيا.
وبالعودة إلى الخلاف الحالي بين القاهرة والخرطوم فقد خرجت أصوات كثيرة من قبل الطرفين مطالبة بالتهدئة، وفي خضم ذلك وبعد أن شعرت حكومة البلدين بخطورة الموقف قام وزيري خارجية البلدين بمشاورات في محاولة لضبط وسائل الإعلام والسعي للحد من تأزيم الوضع وخرج الطرفان ببيان يرفض التجاوزات غير المقبولة أو الإساءات لأي من البلدين أو الشعبين تحت أي ظرف من الظروف، ومهما كانت الأسباب أو المبررات.
براغماتية السودان والدور السعودي
في ظل هذه التوترات كان لابد من المرور على الأسباب وراء هذا التحول المفاجئ في سياسة السودان، والتي نلخصها بالنقاط التالية:
أولاً: عودة العلاقات بين السودان والسعودية إلى أوجها منذ مطلع العام 2015 ليجدد بذلك الرئيس السوداني، عمر البشير ولائه للرياض بعد قطيعة استمرت ثلاث سنوات.
ثانياً: اتفاق السعودية والسودان على مواصلة الضغط على القاهرة في ملفات حلايب وسد النهضة وغيرها من الملفات والسعي لقطع العلاقات مع إيران مقابل تأمين حاجات السودان في النواحي المادية والسياسية وهذا ما حدث فعلاً.
ثالثاً: اللقاء الذي جمع بين محمد بن سلمان ولي ولي العهد والبشير عشية العدوان السعودي على اليمن وسعي بن سلمان لحشد موقف عربي وإقليمي لدعمه في هذا العدوان، وهذا الاجتماع أنهى الخلافات بين الدولتين بشكل كامل طبعاً مقابل تقديم الدعم للخرطوم في مختلف القضايا على أن تشارك الأخيرة الرياض في عدوانها على اليمن.
رابعاً: بات من الواضح أن المصالح تحكم الموقف فيما يتعلق بتعامل السودان مع الدول فقد أظهرت الخرطوم من خلال مواقفها الأخيرة براغماتية واضحة خاصة في تعاطيها مع حليفتها السابقة إيران حيث انتقلت الخرطوم من مربع التحالف مع طهران إلى إعلان الولاء للسعودية، ولم يكتفي البشير عند هذا الحد بل تحدث دون خجل عن "الخطر الإيراني" فيي محاولة لكسب الود السعودي خاصة بعد الدور الذي لعبته الرياض وتل أبيب في إسقاط العقوبات الأمريكية على الخرطوم في أواخر ساعات عهد أوباما.