الوقت- تقترب الأزمة السورية من دخول عامها السابع، ولم يزل الجيش السوري صامداً كجبل الشيخ، كثر اللاعبون والساسة، أُرسلت مجموعات إرهابية تحت أسماء مختلفة، حاملة معها القتل والعنف للشعب السوري، خفت بريق أغلبها وتغيرت أسمائهم من جديد وبقي الجيش السوري لامعاً كالسيف الدمشقي، محرراً مدنه وقراه الواحدة تلو الأخرى، معيداً البسمة لوجه زنوبيا في تدمر، ليتقدم في شمال البلاد، ويقف سداً منيعاً في وجه الجيش الانكشاري الجديد"درع الفرات"، مضيقاً الخناق على قادة هذا الجيش سياسياً وعسكرياً، ليغدو أردوغان في مهب الريح، ولكن أين المفر؟!
ماذا سيفعل أردوغان الآن ومع من يريد أن يتحالف مع روسيا الحليف الإستراتيجي لسوريا، أم مع أمريكا الداعمة للأكراد والمدافعة عنهم، تاه أردوغان في الضباب السوري، يبحث عن منفذ للضوء عله ينقذه من الإعتذار، من مَن يريد أن يعتذر هذه المرة من شعبه أم من الروسي أم الأمريكي الذي وعده بإقامة منطقة آمنة يصطاف بها .
منبج عاقبت أردوغان، ومنعته من أن يعزم أصدقائه على حفلة الشواء، ليطل علينا رئيس وزرائه معتذراً عن إقامة الحفل في منبج، ويقول" الأراضي السورية يجب أن تكون للسوريين"، من كان يتوقع عكس هذا الكلام، بعد أن أطبق الجيش السوري الخناق على جيش الإنكشاري الجدید" درع الفرات" واضعاً إياه في مثلث حاد الزوايا، متمثلاً ب" جرابلس، أعزاز، الباب"، ما يعني شل حركة جنوده وفصائله.
ربما كان على أردوغان ألا يهدد أكراد سوريا، لأن تهديده لهم كان سبباً في محاصرته، فكيف إذا مافكر بمهاجمتهم؟!، الأكراد نسقوا مع الجيش السوري وسلموه القرى الواقعة على خط التماس مع "درع الفرات" والمحاذية لمنطقة الباب في الجبهة الغربية لمنبج إلى قوات حرس الحدود السورية، هذا التنسيق خدم الأكراد من ناحيتين؛ الناحية الأولى تتمثل في حماية مواطنيهم أما الثانية فتمثلت بمنع أردوغان من إحتلال المزيد من الأراضي السورية.
ويعتبر وصول الجيش السوري إلى مدينة منبج الاستراتيجية، ضربة قاصمة للمشروع التركي في سوريا للأسباب التالية:
أولا: لاتتجرأ تركيا في دخول مواجهة مع الجيش السوري، فهي تخاف من معاقبة روسيا لها بالدرجة الأولى، كما أن المواجهة مع الجيش السوري مجهولة النتائج بالنسبة لتركيا، فهي تعلم عواقبها أكثر من غيرها، فانتصار حلب مازال يتردد اصداؤه في ذهن العدو قبل الصديق.
ثانياً: التحالف بين الأكراد والجيش السوري، شكل سداً جديداً في وجه أردوغان، فالطريق إلى الرقة عبر منبج لن يكون سالكاً للغزو العثماني.
ثالثاً: تمتلك منبج "مدينة البحتري" أهمية استراتيجية كبيرة، فهي تصل المناطق الشرقية لنهر الفرات بالمناطق الغربية له، وتعتبر حلقة وصل تربط كل من نهر الفرات والحدود السورية مع محافظة حلب، كما أن الطريق للريف الشمالي والشرقي لحلب يمر عبرها.
رابعاً: فتح الطريق بين منبج وحلب سينعكس إيجابياً على المدينتين، وسيتم تأمين كل مستلزمات أهالي منبج من حلب، ومن خلال هذه السيطرة تستطيع الدولة السورية استثمار حقول النفط من جديد في مدينة منبج.
خامساً: قطع الطريق على تركيا، كان بمثابة دق اسفين في العلاقات بينها وبين أمريكا، فأمريكا خذلت حليفها التركي، بعد أن قدمت له الوعود بإنشاء منطقة آمنة، ورأى محللون سياسيون أن سيطرة الجيش السوري على منبج هي ضربة قاصمة للسياسة الأمريكية في المنطقة.
وهكذا تكون منبج قد صنعت تغيير جذري في شكل الميدان بأكمله، وسيكون لهذا التغيير إنعكاسات كبيرة على المعارك القادمة، ابتداءً من الرقة إلى دير الزور في شرق سوريا وصولاً إلى الريف الشمالي والغربي لحلب حتى محافظة ادلب.
وبناءاً على هذه المعطيات، بات بإمكاننا القول أن الجيش السوري أغلق الباب على أحلام أردوغان، تاركاً إياه في حالة من التخبط باحثاً عن منقذ له بعد أن غرق في الوحل السوري.
منبج، الرقة، دير الزور... وغيرها من المناطق، هي أراض سورية ويحق للجيش السوري الدفاع عنها، وطرد كل غريب عن هذه الأرض، وأي قوات تدخل سوريا دون التنسيق مع القيادة السورية، هي قوات معتدية ومحتلة بحسب القانون السوري ويحق للجيش السوري مهاجمتها وطردها خارج حدوده.
الجيش السوري أحرز تقدماً كبيراً في الأيام القليلة الماضية وحرر مناطق واسعة واستراتيجية، حيث أصبح على بعد 17 كيلومتر من مدينة الخفسة التي تزود محافظة حلب بمياه الشرب، كما أصبح على بعد 4 كيلومتر من بلدة دير حافر، آخر معاقل تنظيم"داعش" الإرهابي في حلب.
وأدى الإنتصار الأخير الذي حققه الجيش السوري، والذي تمثل باستعادة مدينة تدمر، إلى تغيير الموازين الإستراتيجية شرق سوريا، وخاصة بعد تقدمه في شمال شرق سورية، وتثبيت قواعده في دير الزور ليشكل مثلثاً يحاصر الرقة.