الوقت - بعد وصول الرئيس الأمريكي الجديد "دونالد ترامب" إلى البيت الأبيض وكما كان متوقعاً بدأت أجواء الهدوء النسبي التي كانت سائدة بين طهران وواشنطن في عهد الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" تعود إلى التوتر بسبب تصريحات ومواقف ترامب إزاء الاتفاق النووي وتشديد العقوبات على إيران.
فقد هدد ترامب بتمزيق الاتفاق النووي أو مراجعة بنوده بهدف تغييرها، منتقداً سياسات سلفه أوباما بهذا الخصوص، ومتهماً طهران بنقض الاتفاق النووي على خلفية تجربتها بإطلاق صاروخ باليستي الأسبوع الماضي.
وبغضّ النظر عن سياسات واشنطن غير المعلنة لمواجهة نفوذ وتأثير إيران في غرب آسيا والتي تهدف إلى تعزيز التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة وعقد صفقات ضخمة لبيع السلاح إلى عدد من بلدان المنطقة لاسيّما دول مجلس التعاون، يمكن القول بأن خيارات ترامب باتت محدودة في الوقت الراهن الذي يجمع فيه المراقبون على ضرورة تمسك كافة أطراف الاتفاق النووي بتنفيذ بنوده.
في هذا الصدد ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في مقال لها بأن الإدارة الأمريكية الجديدة تسعى لكسب ود روسيا بهدف خلق فجوة بين موسكو وطهران بعد أن اتحدت العاصمتان في اتخاذ مواقف مشتركة إزاء الكثير من أزمات المنطقة لاسيّما الأزمة السورية.
وسعت روسيا وإيران خلال السنوات الأخيرة إلى تعزيز مواقفهما لمواجهة المشاريع الغربية التي تقودها واشنطن والتي تستهدف تمزيق المنطقة وتغيير الأنظمة المستقلة عن القرار الأمريكي وفي مقدمتها نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد.
وتجلى التعاون الروسي - الإيراني بأوضح صوره بعد توقيع الاتفاق النووي بين طهران ومجموعة (5+1) بتسليم موسكو منظومة صواريخ "اس 300" إلى طهران وسماح الأخيرة باستخدام قاعدة همدان الجوية من قبل المقاتلات الروسية لضرب مواقع ومقرات الجماعات الإرهابية في سوريا، في إطار خطة لإيجاد تحالف استراتيجي بين البلدين.
وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" كذلك إلى أن ترامب يسعى لإقناع نظيره الروسي "فلاديمير بوتين" بالتراجع عن تحالفه مع إيران مقابل رفع العقوبات المفروضة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية على موسكو، وغضّ الطرف عن تحركات روسيا العسكرية في أوكرانيا، والحد من تمدد قوات حلف شمال الأطلسي" الناتو" باتجاه الحدود الروسية.
وهناك أدلة وقرائن كثيرة تشير إلى أن خطة ترامب الآنفة الذكر والرامية إلى إبعاد روسيا عن إيران محكومة بالفشل للأسباب التالية:
- عدم استعداد موسكو للتفريط بتحالفها مع طهران الذي مهد الأرضية لعودة روسيا بقوة إلى الشرق الأوسط والتأثير في مجريات الأحداث في هذه المنطقة بعد نحو ثلاثة عقود من العزلة إثر تفكك الاتحاد السوفيتي السابق في مطلع تسعينات القرن الماضي وانتهاء فترة الحرب الباردة مع أمريكا.
- تمكن التحالف الروسي - الإيراني من إيقاف المشروع الغربي للتمدد في الشرق الأوسط، وروسيا تدرك جيداً دور إيران المحوري في هذا المجال.
- تدرك روسيا جيداً بأن الأطراف الإقليمية التي تميل إلى المعسكر الغربي ومن بينها السعودية وتركيا والكيان الإسرائيلي لا يمكن أن تملأ فراغ إيران في حال تخلت عنها موسكو في المستقبل.
- آلية اتخاذ القرار في واشنطن والتعقيدات التي تشوب السياسات الأمريكية تمنع روسيا من المجازفة بقبول وعود ترامب خصوصاً وإن الأخير يواجه معارضة في الكونغرس حتى من قبل حزبه "الجمهوري" بشأن هذه الوعود.
من هذا المنطلق لا يمكن للرئيس الروسي أن يثق بوعود ترامب حتى وإن لم تواجه عراقيل من قبل الكونغرس، نظراً للخلافات الاستراتيجية والتقاطع في المصالح والأهداف بين موسكو وواشنطن.
من جانب آخر تواجه وعود ترامب بشأن موقف الناتو من الأزمة الأوكرانية عراقيل بسبب معارضة دول مؤثرة في الحلف في مقدمتها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا لهذه الوعود.
والتجارب السابقة تدلل على أن بوتين لن يخدع بالوعود، وأوضح مثال على ذلك هو رفضه لاقتراح وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير" بفتح أسواق الطاقة في دول مجلس التعاون أمام روسيا كي تصبح أقوى من الاتحاد السوفيتي السابق. حيث فضّل بوتين التحالف مع طهران والتخلي عن اقتراح الرياض المغري لعلمه بأن مواقف إيران مستندة إلى استراتيجية واضحة وليست لتحقيق مآرب اقتصادية مؤقتة كما تفعل السعودية ودول أخرى في المنطقة. كما يعلم بوتين جيداً بأن القبول بوعود واقتراحات ترامب والرياض وغيرهما ستفقد روسيا هيبتها وتزعزع مكانتها بين الدول، مما يؤدي بالتالي إلى إضعاف مصداقيتها في العالم، وهو ما لا يمكن أن يقدم عليه بوتين بعد أن تمكن من استعادة قوة بلاده وتعزيز نفوذها من جديد على المستويين الإقليمي والدولي.