الوقت- إن الزيارة التي يقوم بها الرئيس الأفغاني أشرف غني الى إيران، سيكون لها الكثير من الدلالات السياسية والإستراتيجية. ولا شك أن التوجهات السياسية للدول الإقليمية اليوم، والتي تعاني من عدم استقرارٍ داخلي، هو محل إعادة نظر لدى القيادات السياسية فيها. وتعتبر أفغانستان دولةً تشكل من حيث تميزها الديموغرافي، كثاني أكبر دولةٍ إسلامية، إحدى الدول التي يمكن لسياساتها أن تؤثر على الصعيد الإستراتيجي. ولعل القيادة السياسية في أفغانستان قد أصبحت تعي مخاطر الصراعات في المنطقة، ولا سيما الخطر الوجودي الذي يهدد الجميع. ولأن إيران تميزت بسياستها الداعمة للشعوب والبعيدة عن التدخل السياسي، أصبحت محجاً سياسياً للجميع. فماذا في زيارة الرئيس الأفغاني؟ وما هي دلالاتها السياسية والإستراتيجية؟
أولاً: زيارة الرئيس الأفغاني على رأس وفدٍ رفيع المستوى
وصل الرئيس الأفغاني اشرف غني الأحد إلي العاصمة الإيرانية طهران علي رأس وفد رفيع المستوي في زيارة رسمية تستغرق يومين تلبية لدعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني. وكان قد سلم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال زيارته الأخيرة إلي افغانستان خلال الشهور الماضية، دعوة الرئيس روحاني لنظيره الأفغاني لزيارة إيران. ويرافق الرئيس الأفغاني خلال زيارته إلي إيران وزير الخارجية الأفغاني صلاح الدين رباني إلي جانب مستشار الرئيس الأفغاني لشؤون الأمن القومي حنيف اتمر ووزير المالية الأفغاني اكليل حكيمي ووزير المناجم داوود شاه صبا ووزير شؤون المهاجرين حسين عالمي بلخي فضلاً عن عدد من المسؤولين الأفغانيين الآخرين. ومن المقرر أن يبحث الرئيس أشرف غني خلال اجتماعاته مع كبار المسؤولين الإيرانيين سبل تعزيز العلاقات الثنائية وتطوير التعاون بين إيران وافغانستان إلي جانب أحدث التطورات الإقليمية والدولية. وكان من المقرر إجراء هذه الزيارة الشهر الماضي، الا أنها تأجلت بسبب مقتل أكثر من مئة شخص في ولاية بنجشير في الانهيارات الجليدية .
ثانياً: قراءة تحليلية للدلالات السياسية
لا شك أن لعدد من العوامل دلالات كثيرة، لا سيما توقيت الزيارة، الى جانب أن البلدين جاران، أي أفغانستان وإيران، كما أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الوفد المرافق الرفيع المستوى. لذلك لا بد من قراءة المشهد السياسي فيما يتعلق بالزيارة من خلال الأمور التالية :
إنه ومن خلال الاطلاع على الوضع الأفغاني الداخلي، نجد أن هناك تحديات كبيرة تواجه الرئيس الأفغاني، أشرف غني، وبالتالي فهو يؤمن بضرورة إعطاء أهمية لعلاقة بلاده مع إيران ودول الجوار. ولعل هذه التحديات يمكن أن تتلخص على الشكل التالي :
- الحفاظ على الوحدة الداخلية. ولذلك يسعى الرئيس الأفغاني إلى المصالحة مع الجماعات المتطرفة، والسعي إلى عدم الدخول في عملية تصفية بالنسبة لمعارضيه من أنصار رئيس الحكومة عبدالله عبدالله مثلاً. والعارف بالسياسة الخارجية لإيران يعرف أن إيران ومن خلال تقديمها الاستشارة، كانت تتفق مع الرئيس الأفغاني في هذه السياسة الداخلية .
- من ناحيةٍ أخرى فإن ملف الفساد الإداري والاقتصادي الذي تتسم به البلاد يعتبر من التحديات التي تقلق الرجل. ومما لا شك فيه أن غني والذي يتمتع بخبرة سابقة كخبير اقتصادي لدى البنك الدولي، حيث تعامل مع مشاكل دول فاشلة، تؤهله لمهمة إنعاش اقتصاد بلاده. وهنا تأتي أهمية إيران بالنسبة لبلاده كجارةٍ من الناحية الجغرافية، الى جانب التعاون التجاري الموجود أصلاً .
- كما أن تحقيق الأمن والاستقرار هو من الأمور المهمة بالنسبة لغني. فاعتباراً من العام المقبل، ستتولى القوات الأفغانية، المؤلفة من نحو 350 ألف جندي ليسوا مجهزين جيداً، مهمة الحرب ضد حركة طالبان، بعد أن كانت تتصدى لها قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) المؤلفة من 150 ألف جندي والمدعومة بمعدات عسكرية حديثة .
لذلك نجد أن الرئيس الأفغاني يحاول استخدام خبرته السياسية والاقتصادية في محاولةٍ منه لإخراج أفغانستان من المأزق السياسي والأمني والاقتصادي. كما أن دعم أفغانستان للحرب على اليمن، يبدو انه جاء تحت الضغط السعودي والأمريكي. فالسعودية كانت دائماً تحاول استغلال الأوضاع الأمنية والسياسية للدول ومن بينها أفغانستان، من أجل الضغط عليها لتكون تحت سلطتها السياسية، ولذلك يمكن أن تكون السعودية قد هددت أفغانستان اقتصادياً ومن خلال ملف العمالة مثلاً، لدعم العدوان على اليمن. ولعل زيارة الرئيس الأفغاني لإيران يمكن أن تأخذ الطابع الذي يتصف بلقاء الجارين ومحاولة التصارح وتبرير المواقف من الأزمات الراهنة ومنها العدوان على اليمن. ففي هذا الوقت السياسي الحساس في المنطقة، تدرك الكثير من الدول أنه لا بد من إعطاء ملف الاستقرار الداخلي أهميةً كبرى. لذلك فإن العمل على بناء أطر الوحدة الداخلية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية، وإرساء الأمن، هي الأمور المطلوبة بدايةً. وهنا يأتي الحديث عن الوفد الرفيع المستوى، الذي يضم العارفين بهذه المواضيع الثلاثة، كما أن الوفد يعبر أيضاً ومن الناحية الدبلوماسية، على الاحترام والتقدير الموجود بين البلدين. وهنا فلقد أحسن الرئيس الأفغاني في اختياره للبلد المضيف. وبالتالي، ينتظر الجميع ما ستؤول إليه المحادثات على الأصعدة كافة، السياسية والاقتصادية والأمنية، ولعل هذا ما ستخبرنا به الأيام المقبلة .