الوقت- قال رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البارزاني الذي كان من دعاة مشروع "كردستان الكبرى" يوم السبت في منتدى دافوس في سويسرا انه لايحدوه الأمل بمستقبل منطقة "روج افا" الكردية في سوريا متحدثا عن احتمال حدوث حرب كردية كردية هناك، ما اعتبر بمثابة تراجع واضح من قبل البارزاني واعتراف منه بأن مشروع "كردستان الكبرى" لن يتحقق.
ان هذا التراجع من قبل البارزاني الذي كان يتحدث في السابق عن كردستان الكبرى وحتى كان يرفض اطلاق اسم شمال العراق على المناطق الشمالية من هذا البلد والتي يقطنها الاكراد في اقليم كردستان، يمكن اعتباره اذعانا واعترافا بالحقائق والوقائع وتخليا عن الأوهام، لكن السؤال المطروح هو لماذا طرح البارزاني في الأساس هذا الشعار ولماذا يتراجع عنه الآن وبهذا الشكل؟
البارزاني الذي يشعر باهتزاز موقعه ومكانته في رئاسة اقليم كردستان العراق بسبب معارضة قسم كبير للأحزاب الكردية والمواطنين الاكراد لرئاسته ربما أراد ايجاد شعبية لنفسه وتعزيز مكانته من وراء طرح موضوع كردستان الكبرى لكن يبدو ان الحقائق والوقائع الجارية في المنطقة لم تترك مجالا أمام البارزاني للرضوخ للأمر الواقع والاعتراف بالحقيقة بأن وجود الانقسامات بين الأكراد أمر لايمكن اخفاؤه وبالتالي فإن حلم كردستان الكبرى الذي يراود بعض الساسة الأكراد بإيعاز من جهات أجنبية قد ذهب ادراج الرياح.
وبالعودة الى تصريحات البارزاني في دافوس يوم السبت نرى انه بات يركز فقط على ما يسمى استقلال اقليم كردستان العراق حيث قال "أنه من الأفضل العمل على استقلال الإقليم بالأفعال لا بالأقوال، والتوصل إلى تفاهم مع بغداد بشأن استقلال الإقليم، معتبراً أن ذلك سيسهل من اعتراف الدول الأخرى به كدولة" واضاف "إذا ما فقدنا الأمل من بغداد بشأن الاستقلال فإننا سنلجأ لإجراءات أخرى ولن نتخلى عن استقلال كردستان"، وهكذا يتوضح ان البارزاني قلص حلمه من كردستان الكبرى الى كردستان العراق.
وربما يعتقد البعض ان تراجع البارزاني عن أحلامه في هذا المجال هو ارضاء لتركيا التي يتحالف البارزاني معها بقوة في الوقت الراهن لكن اذا أمعنا النظر في الاوضاع والظروف التي يمر بها الأكراد حاليا في شمالي العراق والمنطقة بشكل عام نرى بأن البارزاني إستوقفته الحقائق والوقائع والحالة الصعبة التي وصل اليها الاكراد بشكل عام بسبب سياسات خاطئة اتبعوها ليقول مثل هذا الكلام ويتحدث بمثل هذه اللهجة عن مستقبل المناطق الكردية، بعدما كان يتبنى سياسات أكثر حدة.
ان اقليم كردستان العراق الذي يرأسه البارزاني في الوقت الحالي يعاني من فقدان التخطيط والبرامج وفساد مالي وتقديم المصالح الشخصية على المصلحة العامة، باعتراف المسؤولين الأكراد أنفسهم، كما هناك توتر حاد يسود العلاقات بين الاحزاب الكردية في الاقليم في غياب ارادة حقيقية لاحداث تغييرات جذرية سياسية واقتصادية.
ومن لايعلم ان نشاطات برلمان اقليم كردستان العراق هي متوقفة الان ايضا بسبب الخلافات السياسية كما ان هناك خلافات كبيرة بين مكونات اقليم كردستان العراق حول رئاسة البارزاني نفسه فكيف يمكن لبارزاني في ظل هذه الاوضاع ان يتحدث عن استقلال وانفصال وكردستان الكبرى وما شابه ذلك؟
ان التجربة غير الناجحة للساسة الاكراد في اقليم كردستان العراق في ادارة شؤون هذا الإقليم وخاصة من الناحية الإقتصادية رغم وجود ثروات نفطية ووصول الاوضاع الى أزمة ميزانية وازمة دفع رواتب الموظفين، تدل على اخفاق كبير في التخطيط وقد وصل الامر حتى الى اقتراح بيع حقوق نفط الاقليم الى تركيا لدفع قروض!
ويمضي الان اكثر من عقدين على عمر قيام اقليم كردستان العراق لكن مشكلة تأمين الحاجات الأولية مثل الكهرباء والوقود وغيرها ما زالت موجودة وهذا يدل بأن الساسة الأكراد اخفقوا في توفير الخدمات للمواطنين بسبب الفساد وهذا ادى الى حدوث اضطرابات في اقليم كردستان العراق ومهاجمة المواطنين للمقرات الحزبية والمؤسسات.
ان السياسات المتبعة والابتعاد عن الحكومة المركزية في العراق وعدم التنسيق والتعاون معها جلب الكثير من المشاكل لأكراد العراق خلال السنوات التي تلت سقوط النظام البعثي في العراق والآن يرى الجميع ان القوات المسلحة العراقية والقوى الشعبية تدافع عن الاكراد في شمالي العراق في وجه تنظيم داعش الارهابي تماما كما دافعت عن بغداد والمناطق الجنوبية والغربية من العراق فلذلك من الأفضل لكل من يريد خيرا للأكراد ان يتبع سبيل المنطق والواقع ويتجنب اطلاق المواقف الناجمة عن العصبيات والشعارات القومية ويساهم في صون الوطن أمام الأخطار المحدقة به لأن كردستان ليست جزيرة منفصلة عن الإقليم والشعوب الأخرى في المنطقة لكي يتم الحديث عن كردستان الكبرى والانفصال والاستقلال وما شابه ذلك بل ان الاخلاص للأوطان وتعاضد جميع مكونات المجتمع في دولة واحدة في ظل العدالة والمساواة والروح الوطنية هو سبيل التغلب على الأخطار المحدقة بكل شعب من شعوب هذه المنطقة.