الوقت - دأب الرئيس الأمريكي الجديد "دونالد ترامب" ومنذ بدء حملته الانتخابية على اتخاذ مواقف ضد إيران لاسيّما فيما يتعلق بالاتفاق الذي أبرمته طهران مع مجموعة (5+1) في تموز/يوليو 2015.
ويزعم ترامب أن هذا الاتفاق لا يلبي مصالح واشنطن ويشدد في الوقت نفسه على ضرورة إلغائه أو تغييره.
وأشار مستشار ترامب لشؤون الشرق الأوسط "وليد فارس" إلى أن ترامب يصر على ضرورة إعادة النظر بالاتفاق النووي ويسعى في الوقت ذاته إلى تقوية علاقات أمريكا مع دول المنطقة بهدف تشكيل جبهة موحدة ضد إيران.
ويرى المرشحون من قبل ترامب لشغل المناصب الحساسة في حكومته بأن الاتفاق النووي أطلق يد إيران في اليمن وسوريا والعراق ولبنان إلى درجة باتت معها الدول العربية الحليفة لواشنطن تشعر بالقلق إزاء هذا الأمر.
وأوضح فارس أن البيت الأبيض بصدد تعزيز دعمه للحكومات العربية الموالية، في حين يعلم الجميع بأن ترامب كان يصرح خلال حملته الانتخابية بأن تكاليف هذا الدعم لا ينبغي أن تتحمله الإدارة الأمريكية، ما أثار مخاوف لدى الأنظمة الحليفة بشأن مستقبل العلاقات بين الجانبين.
ويعتقد المراقبون أن التكاليف التي ستتحملها أمريكا من أجل تشكيل جبهة موحدة ضد إيران في الشرق الأوسط ستكون أكبر بكثير من التكاليف التي كانت تتحملها قبل توقيع الاتفاق النووي في حال عملت على عرقلة تنفيذ بنود هذا الاتفاق أو سعت إلى تغييره أو إلغائه.
والسؤال المطروح: لماذا غيّر ترامب موقفه في هذا المضمار بعد أن كان يصرح خلال حملته الانتخابية بأن واشنطن غير مستعدة لتحمل تكاليف دعم البلدان السائرة في ركبها بالمنطقة؟
يبدو أن ذلك يعود وكما أعلن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته "باراك أوباما" إلى أن تصريحات ترامب المتشددة لم تكن سوى دعايات انتخابية، وستتغير بمجرد وصوله إلى السلطة لأنها ستصطدم بالواقع، فيما يؤكد المحللون بأن السياسة الخارجية الأمريكية تقوم أساساً على افتعال الأزمات لتبرير حضورها في أي منطقة استراتيجية من العالم لاسيّما في الشرق الأوسط، وهذا الأمر هو الذي دعا ترامب إلى تغيير أقواله، والتي من المرجح أن تتسم بالواقعية بعد توليه مهام عمله في العشرين من الشهر الجاري.
ومع الأخذ بنظر الاعتبار الانتصارات التي حققتها القوات السورية والعراقية على الجماعات الإرهابية، وكذلك التغيير الذي حصل في الموقف التركي من الأزمة السورية، واتفاق طهران وموسكو وأنقرة على إجراء مفاوضات في العاصمة الكازاخية "آستانة" لتسوية الأزمة السورية سياسياً، بإمكاننا أن نفهم سبب إصرار ترامب على التحشيد ضد إيران التي لعبت دوراً كبيراً في تحقيق جميع هذه الإنجازات التي لا تروق للإدارة الأمريكية بكل تأكيد.
إلى جانب ذلك يدرك ترامب جيداً دور إيران المحوري في دعم محور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، وهو الذي يصر على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة في إطار دعمه العلني للكيان الإسرائيلي.
كما يعلم ترامب جيداً بأن حزب الله لبنان الذي تدعمه طهران بقوة سيعود من جديد وبثقل أكبر من السابق لمواجهة الكيان الإسرائيلي في حال تم تسوية الأزمة السورية التي لعبت فيها المقاومة دوراً مهماً من خلال نصرتها للقوات السورية في ضرب مواقع ومقرات الجماعات الإرهابية طيلة السنوات الست الماضية.
وفي اليمن ونتيجة الصمود الذي أبدته حركة أنصار الله والقوات المنضوية في إمرتها والانتصارات التي حققتها مع الجيش اليمني على القوات السعودية، وخشية واشنطن من تداعيات هذه الحرب على أوضاعها في عموم المنطقة والتي ستصب بالتالي في تقوية محور المقاومة، جعل ترامب وفريقه الحكومي يفكرون أيضاً بالضغط على إيران لأنهم يعلمون أن هزيمة السعودية والدول الداعمة لها في العدوان على اليمن تمثل في الحقيقة هزيمة لأمريكا التي أعطت الضوء الأخضر لشن هذا العدوان ودعمته بكافة أنواع الدعم العسكري واللوجستي والمخابراتي.
من خلال قراءة هذه المعطيات يتبين للمتابع أن إصرار ترامب على عرقلة تنفيذ الاتفاق النووي مع طهران والذي وصل لحد التهديد بتمزيقه ما هو إلا ذريعة للضغط على إيران التي أكدت مراراً أنها ستحرق الاتفاق في حال مزّقه ترامب، لكنها طمأنت العالم في الوقت نفسه أن الاتفاق النووي هو ليس بينها وبين أمريكا فقط؛ بل هو اتفاق دولي وحائز على مصادقة مجلس الأمن الدولي، أي بمعنى آخر لا يمكن لترامب أو غيره تغيير أو تمزيق هذا الاتفاق، بالإضافة إلى أن طهران قد أكدت مراراً بأنها ستعاود تطوير برنامجها النووي السلمي بشكل سيصدم واشنطن، الأمر الذي يجعل معظم المراقبين يعتقد بأن تهديدات ترامب لإيران ستذهب أدراج الرياح ولن يحصد سوى الريح من وراء هذه التهديدات.