الوقت- في الأيام الماضية , تجددت الدعوات لتشكيل جيش عربي موحد, فعلى ضوء الاحداث اليمنية, برزت أصوات عربية تنادي بضرورة تشكيل جيش عربي موحد لمواجهة التحديات القائمة من اليمن الى سوريا والعراق وليبيا ومصر .. جيش عبرت عنه الاوساط التي تنادي بهذا الطرح بأنه أصبح ضرورة مفروضة .
ان إنشاء قوة عربية موحدة مطلب مهم جدا في العموم, وهو حاجة فعلية قديمة لدول الشرق الاوسط, الذي يعيش ازمة وجودية تهدد تماسكه وتشكل خطرا على دوله, عبر مشروع أمريكي اسرائيلي قائم منذ إقامة الكيان الاسرائيلي , وما بعده من مؤامرات تهدف الى تمزيق دول الشرق وتحويلها الى كيانات سياسية متناحرة عبر تقسيم الدول الى مناطق عشائرية واتنية مذهبية وقومية لحفظ أمن الكيان الاسرائيلي وضمان سيادته وتفوقه العسكري في المنطقة .
المشروع الامريكي الذي عرف بالفوضى الخلاقة , مشروع عبر عنه المسؤولون الامريكيون علنا في الاعلام عبر تصريحات عديدة, حيث أطلق الامريكيون مشروع الشرق اوسط الجديد الذي أطلت ملامحه عبر الغزو الامريكي البريطاني للعراق , وما نتج عن هذا الغزو من انطلاقة نواة الارهاب في العالم العربي عبر استقطاب الفكر الارهابي من قبل الاجهزة الاستخباراتية من افغانستان وباكستان والسعودية الى العراق وفتح ملف الارهاب في العالم العربي وفق برنامج مخطط له جيدا ومنظما .
وأتى الربيع العربي الخادم المخلص لهذا المشروع , ليستكمل مراحل تفتيت المنطقة عبر كرة نارية متنقلة لم ينتج عنها الا مزيد من الاضطراب والغليان وازدياد في الفرز بين شعوب المنطقة وفق اصطفافات حادة مذهبية يغذيها الارهاب الجديد بقيادة ابو بكر البغدادي الوريث المخلص لابو مصعب الزرقاوي النسخة العربية لاسامة بن لادن وايمن الظواهري .
وسط كل هذا المخاض الكبير والخطير , وقف العرب موقف المتفرج في الظاهر المتآمر على نفسه وغيره في السر , فيما تشهده المنطقة من براكين تحول اراضيها الى كتل محتقنة تنفجر الواحدة تلو الاخرى وتخلف وراءها انشقاقا وتشتتا وارهابا تنامى بسرعة البرق حتى صار الوحش الذي يهدد الشرق الاوسط بأكمله .
فالارهاب الطالباني المصنوع امريكيا , جلب الاحتلال الامريكي لافغانستان حيث امتصت امريكا خيرات ذاك البلد , وبعدها العراق , وها هو اليوم الارهاب المستنسخ في مختبرات الاستخبارات الاسراامريكية السعودية يعود الى الواجهة ليفتت الشرق الاوسط ويقضي على كل قوة متواجدة داخله استنقاذا للكيان الاسرائيلي الذي بلغ خطر المقاومات المتنامي حوله مستوى التهديد الوجودي الذي يستدعي الحماية الابوية الامريكية للابن الاسرائيلي عبر سياسة "فرّق تسد ".
كل هذا والعرب الامريكيون يعولون على إخلاصهم لسيدهم الامريكي , ويطمئنون بأن حدودهم ودولهم لن تصيبها النيران واللهب المجنون , وحمل الحقد بعضهم الى تبني مشروع الارهاب ودعمه لإسقاط الانظمة التي لطالما خالفت توجهات الدول العربية التي خانت أمتها وباعت فلسطين وتآمرت على شعب عربي من لحمها ودمها .
فتحامل العربان الذين أوصلهم الحقد الى التواجد في خندق واحد مع امريكا والكيان الاسرائيلي , وانخرطوا في مشروع الارهاب الذي ليس الا مشروعا اسرامريكيا سيحرق اراضيهم ويفتت وحدتهم , حيث يجرهم سيدهم الاسراامريكي عبر مشروع الارهاب الى حيث يريد هو .
كل هذا الخطر الوجودي من الماضي الى الحاضر , من الكيان الاسرائيلي الذي بدأ من نقطة الصفر يتنامى ويكبر في بطن فلسطين الى ان أصبح سرطانا متفشيا امام اعين الجيوش العربية الجرارة , التي لم تتحد يوما واحدا دون تآمر على بعضها لإزالة خطر هذا الكيان , وكل ما جره السرطان الوجودي الاسرائيلي الى المنطقة لم ينتج في اروقة القصور العربية الا تهافتا للتطبيع والتوقيع على اتفاقية السلام مع عدو لا يعرف السلام ولا يعترف بحقوق شعب اصبح بفضل شهامة العرب شتاتا في اقصى الارض .
وأكثر من هذا , فالغزو الامريكي للعراق وما بعده من أحداث , والارهاب الداعشي المشروع الذي يبلغ خطره تهديد العقائد الاسلامية الاصيلة وأمن المنطقة العربية كلها , والعيش المشترك لشعوب الشرق الاوسط بأسره , ولم تحرك الحكومات العربية ساكنا لإيقاف حمامات الدم , ولم تثر حميتها لإقامة جيش عربي موحد .
لكن حين قام تحت سماء الربيع العربي الديموقراطي شعب بحريني بثورة تشكل خطرا على الامبراطورية الارهابية السعودية , هبت الدول العربية الخليجية لنجدة الحكومة الدكتاتورية الملكية الرجعية في البحرين , وتميزت قوة درع الجزيرة في قمع الشعب البحريني التائق للحرية وتحصيل الحقوق.
كل هذا والعرب في غفلة عن هذا , يتعاطون مع ما يجري في المنطقة على انه سيصب لصالحهم اتكالا على علاقات تبعية مخلصة مع سيدهم الامريكي وصديقهم الاسرائيلي الذي يشبه شاكلتهم .
لكن حسابات التابع تختلف عن حسابات السيد, وخصوصا ان كان السيد يملك فما كبيرا وبطنا لا تشبع ويعتبر الحيل السياسية دبلوماسية مشروة لأن كل منفعة في فلسفة هؤلاء هي حق لهم .
ومع هذا الواقع نام العرب , وغرقوا في مزاحمة بعضهم البعض على مطامع ومكاسب كله تدور في فلك السلطة الفردية او العائلية وكرسي الحكم , وحين أصبحت بعض الحركات التحررية تشكل حرجا لهم امام جماهيرهم وحرضت ضمير الشعب العربي على فلسطين القضية التي طويت في جوارير السياسة العربية وصارت ورقة بالية ارخص من الكرسي والمنافع والعيش المترف, زاد حرج الملوك والامراء وبدل ان يتماشوا مع قضايا شعوبهم , اتخذوا من حركات المقاومة عدوا وبدأوا حربهم مع حلفائهم على سوريا قلعة المقاومة والبلد العربي الممانع بشعبه الأبي العزيز, فكانت بداية اتحاد العرب وأي اتحاد .
فما حال الاتحاد العربي الذي بدأ باولى نشاطه بشن الحروب, إنها صحوة الضمير العربي الذي قد حرم رؤية الحق وشرف نصرته. نكمل مسار الاتحاد العربي في الجزء الثاني من المقال فكونوا معنا .