الوقت - أكد معهد "غلوبال ريسرتش" البحثي التحليلي إن أمريكا تسعى للحدّ من قدرات بلدان مجموعة بريكس"BRICS" من خلال عقود الاتفاقية التجارية الدولية المعروفة اختصاراً باسم تیسا (TISA).
ومجموعة "بريكس" تضم الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
وتهدف هذه المجموعة إلى تبديد أو إضعاف النظام الأحادي القطب الذي كان سائداً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الماضي لصالح نظام ثنائي أو متعدد الأقطاب.
و يعتقد المراقبون بأن "بريكس" سوف تتفوق على اقتصاد أمريكا في نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، وعلى اقتصاديات باقي دول مجموعة السبع الكبرى "ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان" في منتصف هذا القرن.
وتضم "بريكس" دولاً كبيرة ومهمة في العالم من حيث عدد السكان والمساحة الجغرافية والثروات الطبيعية الهائلة والطاقة الإنتاجية القوية. وهي تستحوذ حالياً على نحو 20% من الاقتصاد العالمي بناتج إجمالي يقارب 12 تريليون دولار أمريكي سنوياً. كما تستحوذ على 18% من إجمالي التجارة العالمية وأكثر من ثلث السوق العالمي ويتوقع أن تتجاوز نسبة مساهماتها الإجمالية 60% من إجمالي النمو الاقتصادي العالمي في عام 2020.
والرابط السياسي بين دول "بريكس" والذي على أساسه نشأت هذه المجموعة هو رفض الهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية، والتي تسببت في إغراق الاقتصاد العالمي في أزمات كثيرة. فأعضاء "بريكس" يدعون لإنشاء نظام أكثر عدالة وتوازناً للعلاقات الاقتصادية الدولية، ويهدفون إلى وضع نظام بديل لمواجهة القيود التي يضعها الهيكل الحالي للنظام المالي والنقدي الدولي.
خصخصة لا رجعة فيها
تنص اتفاقية "تيسا" على أن خصخصة أي خدمة معينة، مثل خدمات المواصلات العامة والكهرباء والماء والصحة أو أيّة خدمة أخرى، هي أمر لا رجعة فيه. وتشتمل الاتفاقية على ما يسمى مبدأ "التجميد "الذي ينص على أنه لن يكون بإمكان أي دولة من دول "بريكس" سنّ قوانين تمنح أولوية للشركات المحلية على حساب الشركات الأجنبية الموازية لها.
وتعتبر هذه البنود أقل سوءاً من البنود السابقة التي طالبت الشركات الكبرى بإدخالها في الاتفاقية المعروفة باسم "ISDS" والتي تتيح الدفاع عن الشركات الضخمة وحمايتها من القوانين والرقابة في هيئات قضائية دولية وفق تسريبات موقع "ويكيليكس".
ويعتقد محللون إن الأساس لأيّة دعوى تقدمها الشركات المتعددة الجنسية في إطار منظومة "ISDS" يمكن أن يكون سنّ قانون أو تشريع أو فرض رقابة تعتبرها الشركات مسّاً باستثماراتها أو أرباحها أو حتى بتوقّعاتها الربحية. فليست هناك أيّة رقابة قضائية على المحكمة الدولية، وقراراتها نهائية وملزمة وهي تتضمّن غرامات مالية ضخمة يمكن أن تقود إلى إفلاس الدول التي تُقدَم بحقها الدعاوى القضائية، وفي هذا ما يثير القلق بالنسبة لقطاع الخدمات الحساسة التي تحتاج إلى درجة عالية من الاستثمار مثل الطاقة والمواصلات والإعلام.
ويعتقد المراقبون بأن هذه الصورة المثالية لـ "تيسا" التي تظهرها بعض الحكومات والشركات المتعددة الجنسية تخالف الواقع لدى قراءة المستندات التي سُرّبت في موقع "ويكيليكس".
وكان أحد أسباب تأييد الكثير من البريطانيين للاقتراح الخطير بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي (بركزيت)، هو معارضتهم لاتفاق التجارة الدولي "TTIP" وهو الاتفاق المكمل لاتفاقية "تيسا" وأحد ثلاثة اتفاقات تجارية دولية، معروفة باسم "T الكبرى".
وكانت اتفاقيات التجارة الدولية من أهم المواضيع التي طرحت في الحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية، وساهمت المعارضة لها بانتخاب "دونالد ترامب" الذي تعهد بتمزيق هذه الاتفاقيات.
في هذا السياق قال وزير الاقتصاد الألماني "زيغمار غابريل" إن المفاوضات مع أمريكا بشأن إتفاق "TTIP" قد فشلت، داعياً في الوقت نفسه الدول الأوروبية إلى عدم الإذعان لشروط واشنطن في هذا المجال لاسيّما فيما يتعلق بصادرات "منتجات اللحوم".
من خلال قراءة هذه المعطيات يبدو أن أمريكا بصدد شنّ حرب اقتصادية ضد مجموعة "بريكس" بهدف عزلها عن الساحة الاقتصادية الدولية أو تقويض دورها على أقل تقدير، وهذا الأمر بنظر المتخصصين لايمكن أن يتحقق على أرض الواقع خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأهداف التي أنشئت من أجلها مجموعة "بريكس" والتي يمكن تلخيصها بخلق توازن دولي في العملية الاقتصادية، وإنهاء سياسة القطب الأحادي، وإيجاد بديل فعال وحقيقي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى جانب تحقيق تكامل اقتصادي وسياسي وجيوسياسي بين الدول الخمس المنضوية في عضويتها لاسيّما في أوقات الأزمات.