الوقت- يدور الحديث مؤخراً عن قرار اتخذه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بزج القوات المسلحة المصرية في الحرب البرية على اليمن، ويبدو أن قرارًا رسميًا اتُخذ على مستوى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية خلال اجتماعه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، السبت الماضي، حسبما ألمح لهذا ضمنًا السيسي في تصريحات رسمية للتلفزيون المصري، وأكده إعلاميون مقربون من السلطة رسميًا. حيث صرح السيسي بأن: "مصر لن تتخلى أبداً عن أشقائها في الخليج، وسنقوم معهم بحمايتهم والدفاع عنهم إذا تطلب الأمر ذلك".
فيما أكد ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة "أخبار اليوم"، أن السيسي اجتمع بالمجلس العسكري السبت الماضي "لاتخاذ قرار بشأن التدخل البري في اليمن حال فشل الضربات الجوية والمساعي الدولية وسيطرة الحوثيين".
ومع تصاعد الهواجس الموجودة لدى الرأي العام المصري من تجربة التدخل المصري في الحرب اليمنية عام 1962 والخسائر الكبرى التي مني الجيش المصري بها آنذاك، والتحذيرات التي أطلقها سياسيون ومفكرون مصريون حول مخاطر الانزلاق المجدد إلى اتون الحرب اليمنية. بدأ إعلاميون مؤيدون للسلطة الترويج لضرورة التدخل البري في اليمن، في محاولة لتهيئة الرأي العام المصري لتقبل أمر إرسال قوات برية إلى اليمن بذريعة تأمين مضيق باب المندب –المؤمن أمريكياً- وتأمين الملاحة في البحر الأحمر.
ولم يفتأ مؤيّدو التدخل القول إن حماية باب المندب الذي يعتبر الشريان الحيوي لقناة السويس هي حماية لأكثر من 10 مليارات دولار جرى استثمارها في القناة خلال عام واحد، فضلا عن صون نتائج مؤتمر شرم الشيخ الأخير.
وتأتي هذه الحملة الاعلامية بالرغم من كل التطمينات التي أطلقها قادة حركة أنصار الله بعدم وجود أي نية لدى الحركة للتعرض لحركة الملاحة على مضيق باب المندب، حيث صرح في وقت سابق المتحدث الرسمي باسم حركة أنصار الله عبدالسلام الشامي بأن: "اليمن حكومة وشعبا أبديا استعدادهما للدخول في نقاشات مباشرة مع مصر لإزالة المخاوف إن وجدت فيما يخص مضيق باب المندب وتأثيراته على الملاحة الدولية".
إلا أن لغة المصالح كانت الطاغية على قرار السيسي الذي أبى الاستجابة لأي لغة تطمينية، ويبدو أن السيسي ماض في مشروع دفع قواته المسلحة إلى اليمن للأسباب التالية:
أولاً: تحصيل مكاسب اقتصادية من السعودية وحلفائها من دول الخليج الفارسي، على غرار سلفه الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي حصل على مكاسب اقتصادية هائلة من المشاركة في حرب تحرير الكويت عام 1991. وربما يكون مبلغ الـ 12 مليار دولار التي تعهدت دول الخليج بدفعها لمصر كأموال واستثمارات في قمة شرم الشيخ الاقتصادية جزء من الثمن المتفق عليه مقابل دخول الجيش المصري برياً في اليمن.
ويبدو أن الرئيس السيسي قد أصبح يتقن جيداً لعبة العصا والجزرة مع دول الخليج الفارسي ولا يجد ضيراً في تغيير جلده كل مرة للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب الاقتصادية، وهو يعرف جيداً كيف يرفع من ثمن بضاعته، فتراه حيناً يدفع بمؤيديه لشتم الملك السعودي، ثم يتقاضى ثمن إسكاتهم، وتارة يصرّح بأن "الجيش المصري للمصريين فقط" وبأن "مصر لم توافق على التدخل العسكري في اليمن"، ومن ثم يتراجع فجأة ليعلن بأن "مصر ستدافع عن أشقائها في الخليج". فعند السيسي لا مكان للمبادئ، فتارة يؤيد الضغط على الإخوان المسلمين في مصر وإصدار أحكام الإعدام بحق قياداتهم، إن كانت دولة الامارات جاهزة للدفع، وتارة أخري مع المصالحة مع الإخوان إن طلب الملك سلمان ذلك، شريطة الحصول على الثمن المطلوب.
وفي سياق متصل، نشرت صحيفة "القدس العربي" الأحد الماضي تقريراً تحدثت فيه بأن الرئيس عبد الفتاح السيسى طلب بـ200 مليار دولار لإقناع الشعب المصرى المشاركة في "عاصفة الحزم."
ثانياً: السعي للضلوع بدور اقليمي مؤثر في المنطقة، وذلك بعد الانحسار الذي شهده الدور المصري في المنطقة منذ اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الإسرائيلي، حيث يسعى السيسي للظهور بمظهر الشخصية المؤثرة في المنطقة والتي تسهم في رسم مصير الشعوب، لكن ما غاب عن ذهن السيسي هو النظر في أحقية القضايا التي يدعمها، حيث يتغافل السيسي عن الخطر المحدق بالأمن القومي المصري المتمثل بتنظيم داعش الارهابي الذي أعلن عن وجوده في "ولاية سيناء"، وفي الوقت نفسه يرسل قواته لضرب ثورة الشعب اليمني والدور المؤثر لحركة أنصار الله في مواجهة داعش والقاعدة في المنطقة. ومن ناحية أخرى لم يلتفت السيسي إلى أن التطلع لدور إقليمي لا يكون من خلال إذكاء نار الحروب والدخول في حرب ضد من لم يرفع السلاح في وجه مصر، بل يكون من خلال المبادرة للدفع بالاحداث في اليمن إلى طريق التغيير السلمي والمساهمة في خلق نظام حر يحفظ لليمن سيادته واستقلاله.
ثالثاً: من العوامل التي دفعت السيسي لاتخاذ قرار التدخل البري في اليمن هو افتقاد السيسي للشخصية القيادية المستقلة، فالمعروف عن السيسي شخصيته المرتهنة للخارج، حيث أثبت السيسي منذ وصوله للحكم في مصر ارتباطه الوثيق مع القوى العربية الرجعية، وخضوعه للسياسات والاملاءات الأمريكية. وتصريحات السيسي حول إرسال قوات إلى اليمن لحماية النظام السعودي ليست ببعيدة عن تصريحات سابقة له لصحيفة "كريري ديلا سيرا" الإيطالية، أعرب فيها عن استعداده لإرسال قوات مصرية إلى الدولة الفلسطينية، لضمان أمن "الكيان الإسرائيلي."
مواقف الأوساط المصرية من المشاركة في الحرب البرية على اليمن
من جهتها أعربت بعض الأوساط السياسية المصرية عن تأييدها للمشاركة البرية في الحرب على اليمن، فيما أبدت قوى سياسية أخرى معارضتها للأمر. فحركة الإخوان المسلمين التي اعتبرت ما حدث في اليمن من جانب حركة أنصار الله انقلاباً عسكرياً، أعلنت عن معارضتها لأي تدخل مصري بري في الأراضي اليمنية. في حين هاجم رئيس حزب النور السلفي المعارضين لعاصفة الحزم واصفاً إياهم بالمتشيّعين، حيث قال في صفحته على موقع فيس بوك : "قام المتشيعون المصريون سريعا بالإعلان عن هويتهم وحقيقة ولائهم وأزالوا القناع عن وجوههم.".
أما حزب التنظيم الوحدوي الناصري، فقد دعا الى وقف جميع العمليات القتالية بشكل فوري، وحقن دماء اليمنيين، وإنهاء كافة أشكال انتهاك السيادة الوطنية، وتحميل مسؤولية نتائجه للمتسببين به.
فيما حذرت شخصيات مصرية من مغبة الزج بالقوات المسلحة المصرية في أتون الحرب على اليمن، فقد حذر الخبير العسكري محمود زاهر من أن خوض الجيش المصري حربا برية في اليمن سيترتب عليه خسائر كبيرة وسيكون له أثر سلبي على النتائج النهائية لعملية "عاصفة الحزم"، مشيرا الى أن هذا التدخل قد يغضب الشعب اليمني ويحول مؤيدي "عاصفة الحزم" الى معارضين لها.
وكان الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل انتقد نية السيسي في التدخل البري في اليمن، وتساءل خلال حوار مع قناة "سي بي سي" مساء الجمعة الماضية- هل نحن مستعدون لهذه الحرب؟ نحن لدينا تجربة مؤلمة لازلنا نحاول نسيانها".