الوقت- يكاد مخيم اليرموك يفقد صفة مخيم للاجئين الفلسطينيين، بعد أن خلا تقريباً من غالبية أبناءه نتيجة إصرار الجماعات الارهابية المسلحة على جعله ساحة لصراعاتها واعتداءاتها المتكررة، فقد انخفض عدد سكان المخيم من 185 ألفاً قبل بدء الأزمة في سوريا، ليصل إلى أقل من 18 ألفاً إلى ما قبل دخول تنظيم داعش الارهابي للمخيم، وبعد سيطرة هذا التنظيم الارهابي على غالبية المخيم، بدأ من تبقى بالمخيم بالنزوح إلى المناطق المجاورة، وقد سجل أمس عملية إجلاء لأكثر من ألفي لاجئ فلسطيني تحت إشراف الهلال الأحمر وفقاً لما صرحت به منظمة التحرير الفلسطينية .
حيث تجدد الاقتتال في المخيم بعد اغتيال قيادي في حركة حماس 30 آذار الماضي (يحيى حوراني) وتوجيه اصابع الاتهام إلى تنظيم داعش ومحاولة "أكناف بيت المقدس" التي توصف بالمقربة من حماس، إلقاء القبض على بعض المشتبه بهم في هذه العملية، مما أدى إلى حدوث بعض المناوشات انتهت باشتباكات بين مسلحي أكناف بيت المقدس مع تنظيم داعش الارهابي .
ومع بدء الاشتباكات قامت جبهة النصرة بسحب فصائلها من الاشتباكات مع داعش ومنع وصول المؤازرة لأكناف بيت المقدس، مما مكّن داعش من بسط سيطرتها على غالبية المخيم. وتروي مصادر مطلعة أن مسلحي داعش شنوا حملات دهم واعتقال للمدنيين الملتزمين بيوتهم في شارع المدارس وامتداد شارع حيفا، مختطفين عدداً كبيراً من الشبان الفلسطينيين، إضافة إلى فتاتين تعملان في مجال التمريض والإغاثة .
كما أقدم تنظيم داعش الارهابي على ذبح أكثر من 70 مدنياً وعنصراً من أكناف بيت المقدس في مخيم اليرموك، وقامت عناصره بإنزال العلم الفلسطيني من مخيم اليرموك وداست عليه، ورفعت علمها الاسود؛ واصفة العلم الفلسطيني بأنه علم الفتنة .
فما الذي ينتظر هذا المخيم المنكوب أكثر من ذلك، ولماذا هذا الاستهداف الممنهج، ولماذا قامت جبهة النصرة بالرغم من عدائها الكبير لداعش ووصفها لأعضاء هذا التنظيم بالخوارج، بتسهيل دخوله إلى المخيم، وسيطرته على مساحات واسعة منه، وهل للكيان الاسرائيلي الذي أصبحت تربطه علاقات صداقة علنية مع جبهة النصرة علاقة بالموضوع؟
لا يبدو الأمر بأنه مجرد صراع على النفوذ بين الجماعات المسلحة، حيث يرى مراقبون أن دخول داعش على خط الازمة في المخيم كان يهدف إلى إخراج المخيم من أي معادلة للوساطات قد تتدخل بها أطراف اقليمية لتحييد المخيم، وبالتالي القضاء على دور المخيم في الثورة الفلسطينية المعاصرة والرمزية التي يحملها لحق العودة ومسح الذاكرة الفلسطينية السياسية والاجتماعية والتاريخية .
من زاوية أخرى، وجد تنظيم داعش الارهابي في الدخول إلى مخيم اليرموك والسيطرة على مساحات واسعة من أجزاءه فرصة سانحة للتعويض عن خسارته التي مني بها في تكريت في العراق، وتراجعه أمام زحف قوات الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي، فالمعروف عن التنظيم الارهابي الذي يرفع شعار "باقية وتتمدد"، أنه كلما واجه خسارة في مكان ما، يلجأ إلى التمدد في مكان آخر سواء في سوريا أو العراق أو في بلدان عربية أخرى مثل "ولاية سيناء" المصرية او "ولاية درنة الليبية ."
كما أن سيطرة تنظيم داعش الارهابي على مخيم اليرموك تعني أنه سيصبح أقرب إلى قلب العاصمة السورية دمشق، مما يسهل عليه محاولة إحداث خرق للدخول الى الميدان والزاهرة من أحياء دمشق الجنوبية الشرقية .
وتأتي الاعتداءات الأخيرة على مخيم اليرموك بالتزامن مع التقدم الذي يحرزه الجيش السوري في معارك دمشق وريفها، وتحديداً بمناطق جبال القلمون الغربية وجبال وتلال بلدة الزبداني المطلة على الحدود اللبنانية في مناطق البقاع وعرسال وجرودها، فيما تأتي أحداث مخيم اليرموك في محاولة يائسة من الجماعات المسلحة لفتح معارك جانبية مع الجيش السوري، لإيقاف تقدمه الى عمق الأحياء الجنوبية لريف دمشق .
ويرى مراقبون أن السبب الأساسي وراء إطلاق جبهة النصرة يد داعش في مخيم اليرموك هو الحيلولة دون تنفيذ الاتفاق الموقع بين الفصائل الفلسطينية والدولة السورية، حيث أعلن تنظيم داعش الارهابي عن أن عملية اقتحام المخيم جاءت بعد ورود أنباء عن العمل على اتفاق مصالحة بين الفصائل المسلحة التي تسيطر على المخيم وقوات النظام السوري وذلك على غرار ما حصل في أحياء برزة البلد وقدسيا والهامة داخل العاصمة ومدن ببيلا وتل منين والقارة والتل في ريف دمشق .
إلا أن آمال داعش والنصرة في مخيم اليرموك لا يبدو أنها ستتحقق بسهولة، حيث يصطدم التنظيمان بجبهة واسعة من القوى المواجهة لهما، فبعد أن كاد تنظيم "أكناف بيت المقدس" والمقاتلون المحليون المتحالفون معه على وشك السقوط في مقابل التنظيمين المقتحمين، دخل مقاتلو فصيلي "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القيادة العامة" و"فتح الانتفاضة"، إضافة إلى مقاتلين متطوعين، على خط مواجهة "داعش" في مخيم اليرموك، الأمر الذي أدى أمس إلى توقف تقدّم التنظيم الارهابي في بعض النقاط في وسط المخيم، وتراجعها في محيط المركز الثقافي الفلسطيني .