الوقت - تودِّع السعودية عام 2016 بخيبة كبيرة. عامٌ كان صعباً على الرياض التي لم تنجح في تحقيق أي تقدُّمٍ يرقى لمستوى الإنجاز المحلي أو الإقليمي أو الدولي. عامٌ كان على الرياض بمثابة التاريخ المليئ بالإخفاقات، حيث تعدَّدت أوجه الفشل السعودي. فكيف یُمكن تقييم هذا الفشل خلال عام 2016، على الصُعد المحلية والإقليمية والدولية؟
السعودية إقليمياً ودولياً: عامٌ من تحصيل الإدانات وبناء العداوات
عدة أحداث ومواقف حصلت، تدل على حجم الخسارة التي لاقتها السعودية في العام 2016. وهو ما يمكن أن نُشير الیه عبر بعض الحقائق في التالي:
أولاً: التوتر مع أمريكا وصولاً الى إقرار قانون جاستا
جاء قرار الكونغرس الأميركي والذي أتاح لأقارب ضحايا اعتداءات 11 ايلول مقاضاة السعودية، كضربة للعلاقات السعودية الأمريكية. في حين اعتبرته الرياض بمثابة "طعنة في الظهر". وهو ما جاء في سياق المسار المستمر من الفتور في العلاقات بين البلدين منذ عام 2009.
ثانياً: الحرب على اليمن
عدة آثار انعكست على السعودية إقليمياً ودولياً جراء عدوانها على اليمن. وهنا نُشير لبعض منها:
- أظهرت الوجه القبيح للسعودية وفضحت انعدام انتمائها العربي والقومي.
- أظهرت الولاء السعودي للمشاريع الغربية واللوبيات الصهيونية.
- خسرت التأييد الشعبي لها من قِبل شعوب المنطقة.
- خسرت مرجعيتها كدولة قادرة على قيادة وساطات وحلول لأزمات المنطقة.
- رسَّخت واقع من العدواة بينها وبين جارها اليمن مما أنشأ حولها بيئة مُهدِّدة لها من الناحية الجيوسياسية والجيوعسكرية. وهو ما كان نتيجة سلوكها تجاه اليمن.
ثالثاً: الفشل في الأزمتين السورية والعراقية
فشلت السعودية في جهودها على مدى خمس سنوات في ظل دعمها للحرب في سوريا عبر ارسالها الإرهابيين ودعمهم لوجستياً وعسكرياً. كما فشلت في تحقيق أهدافها السياسية، لا سيما بعد فشلها في تكوين معارضة قادرة على الإستمرار. وهو ما جعلها تخسر على الصعيدين السياسي والعسكري. فيما فشلت السعودية في احتضان الجهود العراقية، بل فضحت نفسها عبر سلوكها وسعيها لتقسيم العراق.
رابعاً: الفشل في إدارة البيت الخليجي
سعت السعودية دوماً لتقديم نفسها وكأنها عرَّابة السياسيات الخليجية. لكن الأزمات السياسية التي حصلت خلال العام الحالي وكونها امتداد للأعوام السابقة، فضحت التوتر في العلاقات بين السعودية وقطر، وبين السعودية والإمارات. فيما لم تخرج القمم الخليجية عموماً إلا بتوافقات ظاهرية.
خامساً: تراجع النفوذ الإقليمي
أشرنا الى حجم الخسارة الإقليمية والدولية للسعودية في الملفين العراقي والسوري. كما أن توتر العلاقات بين الرياض والقاهرة، نتيجة سياسات الرياض العنجهية، نتج عنه خسارة السعودية لدولة مصر. وهو الأمر الذي ما تزال انعكاساته حتى اليوم. الى جانب ذلك خسرت السعودية قدرتها على التأثير في الملف اللبناني. حيث تبيَّن ذلك بوضوح ومن خلال نتائج الإنتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة.
سادساً: خسارة السمعة الدولية جرَّاء انتهاكات حقوق الإنسان
بتاريخ 29 حزيران 2016، قدمت منظمتا العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش"، طلبا للأمم المتحدة بتعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان وذلك للأسباب التالية:
- مواصلة السعودية حملة القمع الواسعة التي تشنها ضد نشطاء حقوق الإنسان. والزُجَّ بهم في السجون أو تهديدهم. ومن أبرزهم كان: وليد أبو الخير، الدكتور عبد الكريم الخضير، الدكتور عبد الرحمن الحامد وعيسى الحامد و عبد العزيز الشبيلي.
- مواصلة السعودية لتنفيذها إعدامات بشعة حيث أُعدمت الرياض ما لا يقل عن 350 شخصاً منذ تشرين الثاني 2013 حتى 2016. فيما أعدمت 47 شخصاً دفعة واحدة خلال يوم واحد في شهر كانون الثاني 2016.
- مواصلة الجرائم بحق الشعب اليمني لمستوى يرقى لجرائم الحرب، حيث قُتِل أكثر من 3500 مدني وجُرِح 6200 شخصاً بسبب الضربات الجوية التي شنها العدوان السعودي، حيث وجدت منظمة العفو الدولية أن هذه الضربات الجوية كانت في الغالب غير متناسبة أو عشوائية. كما أدى عدوان الرياض الى أضرار في البنى التحتية.
سابعاً: اللجوء الى بريطانيا، بعد خسارة أمريكا وروسيا
لجأت السعودية الى بريطانيا كبديل عن أمريكا. في حين لم تستطع الرياض كسب ود موسكو وإن حصلت على بعض الإتفاقيات التجارية لا أكثر. وهو ما فضح حاجتها الدائمة لراعٍ دولي.
ثامناً: الفشل في حشد العداوة ضد إيران
فشلت السعودية في مساعيها لحشد أعداء لإيران. حيث سعت لإثارة النعرات القومية والمذهبية وهو ما واجهته إيران بحكمة أفقدت الجهود السعودية من مفاعيلها. فيما لم تنجح الرياض في كسب الود الغربي أو منع الجموح الغربي نحو الطرف الإيراني.
السعودية محلياً: إرتباكٌ سياسي وإقتصادي وحقوقي
فشلت الرياض في إدارة بيتها الداخلي. وهنا بعض الحقائق:
أولاً: ارتفاع حجم التوتر داخل العائلة الحاكمة
زادت التصدعات داخل الأسرة الحاكمة، حيث فشل الملك سلمان فيما نجح فيه سلفه الملك عبد الله، ولم يستطع التقليل من الخلافات العائلية، خصوصاً بين ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان. وهو ما يعود لأسباب عديدة تتعلق بإنفراد بن سلمان بالقرارات، واتهام الكثيرين له بالطيش. فيما برزت مُعضلة نقل مناصب ولايات العهد من الجيل الثاني في الأسرة الى الجيل الثالث، مما ساهم في زيادة التوترات.
ثانياً: العلاقة بين السلطة والشعب:
أدى انخفاض أسعار النفط وتورط السعودية خارجياً، الى سياسات تقشُّف أثرت على حياة المواطن السعودي وزادت الشرخ بينه وبين السلطة. كما أن الإنتهاكات الحقوقية المحلية للسعودية ساهمت في العديد من المشكلات لا سيما كثرة الإعدامات. فيما جاءت رؤية 2030، لتكون بمثابة فضيحة للمخططين السعوديين محلياً ودولياً، خصوصاً بعد أن أكدت التقارير العلمية الغربية، زيف ادعاءات المملكة فيما يخص احتياطاتها النفطية، والتي هي أقل 40% مما هو مُعلن
إذن كان عام 2016 عام الإنتكاسات المحلية والإقليمية والدولية للسعودية. انتكاساتٌ لن تخرج منها الرياض أبداً. بل هي تُمثِّل مسار السقوط، الذي رسمه غباء المُخطط السعودي وولاؤه الأعمى للسياسة الأمريكية.