الوقت- في ظل واقعٍ عالميٍ من التنافس على امتلاك وإدارة الموارد الطبيعية، يعيش العالم حالةً من اللاإستقرار. حيث شكَّلت هذه الموارد سبباً للحروب التي شهدتها الدول. بل إن أكثر الصراعات الدولية العسكرية والتي تُعتبر سوريا نموذجاً لها، تعود لأسبابٍ إقتصادية. وهو الأمر الذي جعل الخبراء يتساءلون دوماً عن كيفية الوصول الى واقعٍ من الإكتفاء العالمي، دون احتكار أطراف لموارد الشعوب واستغلالها.
اليوم يُشكِّل مستقبل الطاقة العالمية وتحديداً الغاز، محط اهتمام العديد من الدول، لا سيما أوروبا التي تعيش حاجة ملحة له، جعلتها تُخفِّض مُرغمةً سقف خطابها العدائي لموسكو، والتي تُزودها بالغاز الطبيعي. فيما كان توقيع الإتفاق النووي بين الغرب وإيران، فرصة للغرب من أجل الإنفتاح على طهران، والتي تُعتبر منافسة روسيا في السوق العالمية للغاز. لكن التناغم الإستراتيجي بين كلٍ من روسيا وإيران، لم يفسح المجال أمام أوروبا التي حاولت استمالة الطرف الإيراني على حساب الطرف الروسي، فلم تنجح. بل إن المصداقية الكبرى التي تمتعت بها السياسة الإيرانية الدولية على الصعيدين السياسي والإقتصادي مع روسيا، جعلت العلاقة بين الطرفين أرضية لتحويل المنافسة الطبيعية الى فرصة للشراكة. فكيف يمكن توصيف واقع العلاقة الإقتصادية بين روسيا وإيران لا سيما فيما يخص مجال الغاز الطبيعي؟ ولماذا يُعتبر هذا التناغم إيجابياً ولصالح شعوب المنطقة؟
التطور الأبرز في مجال التعاون
خلال الأسابيع الماضية، حدث تطورٌ مهم فيما يخص التعاون الروسي الإيراني في مجال الغاز. حيث وقعت شركة غازبروم الروسية وشركة الغاز الإيرانية ضمن اجتماع اللجنة الإقتصادية الروسية الإيرانية، تفاهماً تم على أثره تشكيل عدة لجان بين الشركتين هدفها عقد جلسات مشتركة دائمة، بهدف تفعيل آفاق التعاون المشترك بين البلدين. وهي المرة الأولى التي يتم فيها توقيع اتفاقية تعاون مشترك بين روسيا وإيران في جميع المجالات المتعلقة بقطاع الغاز الإيراني. بعدها خرجت التصريحات المشتركة بين إيران وروسيا لتؤكد على امتلاك البلدين أكبر الإحتياطات الدولية في الغاز، وعبر تبادلهم الإمكانيات يمكن لهما تأسيس سوق دولي مشترك للغاز.
مستقبل الطاقة والتناغم الإستراتيجي الروسي الإيراني
يمكن تحليل مستقبل الطاقة والعلاقة الإستراتيجية بين إيران وروسيا في هذا المجال عبر التالي:
أولاً: محطات من التعاون الروسي الإيراني
إن هذا التعاون الحالي هو استكمال لمسار قديم من التنسيق والتعاون المشترك، حيث:
- تستثمر روسيا في قطاع صناعة النفط الإيراني في حقل فارس الجنوبي منذ عام 1997 حيث أن هناك مشروع تنقيب عن النفط بواسطة شركة غاز بروم الروسية. كما يوجد مذكرة تفاهم مع وزارة النفط الإيرانية منذ 2008 لتطوير التعاون المشترك في مجالي النفط والغاز عبر تأسيس مؤسسة مشتركة للتنقيب.
- شهدت العلاقة بين البلدين العديد من محطات التعاون الأخرى لا سيما فيما يخص الطاقة النووية. حيث قامت روسيا ببناء مفاعل بوشهر النووي الإيراني لتوليد الطاقة الكهربائية.
- شهدت أزمة النفط العالمية والتي أثرت على أسعار الطاقة في العالم تنسيقاً بين روسيا وإيران في مجال النفط والغاز بهدف الحفاظ على استقرار السوق النفطي، وضمان حد أدنى لأسعار النفط، وذلك عبر التحكم في حجم الإنتاج.
ثانياً: وجود المصالح المشتركة
لا شك أن وجود العديد من المصالح المشتركة هو السبب الرئيس في دفع العلاقة الى التطور. في حين تميزت العلاقة بين الطرفين بالمصداقية، لا سيما بعد أن أثبت الجانب الإيراني أنه طرفٌ ينطلق من مبادئ ثابتة تُساهم في دعم خيارات الشعوب، وليس لأهدافٍ تعاظمية على حساب مصالحها، مما ساهم في جعل التعاظم الإيراني يتلاقى مع المصلحة الروسية ويُصبح حاجة لها. وهنا نُشير للتالي:
-إن المحاولات الخليجية العديدة والتي جاءت تحت مظلةٍ أمريكية للنيل من إيران إقتصادياً عبر سوق الطاقة، التقت مع مساعي الدول نفسها لضرب سوق الطاقة الروسي تماشياً مع السياسية الأمريكية والغربية للضغط على موسكو. وهو ما كوَّن أرضية للتعاون المُشترك بين كلٍ من طهران وموسكو. يُضاف الى ذلك، أن الدول الخليجية لا سيما قطر، خسرت الثقة الروسية بعد أن مارست سياسة الخداع، ولم تلتزم بالأسعار العالمية، حيث أخذت تبيع بسعر منخفض. الأمر الذي اعتبرته موسكو نوعاً من التحدي لها.
- ساهمت العقوبات على إيران، والعقوبات على روسيا في تكوين السبب الأساسي للتقارب. حيث وجدت روسيا في علاقتها مع طهران، باباً للرد على الإبتزازات الأمريكية الغربية، مما سيساهم في التخفيف من الخسائر الناتجة عن العقوبات الغربية المفروضة على موسكو وتخبُّط العملة الروسية.
ثالثاً: القدرة على تحويل التنافس الى فرصة شراكة
أدركت روسيا جيداً ومن خلال سلوك إيران المسؤول، أن طهران لم ولن تسعى لجعل نفسها بديلاً عن الصادرات الروسية من الغاز الى أوروبا. وهو الأمر الذي حاول الغرب استغلاله بعد توقيع الإتفاق النووي، لضرب العلاقة الإستراتيجية بين البلدين. لكن إيران وروسيا، تمكنتا من تحويل هذا التنافس الى شراكة، ظهرت داخل منظمة أوبك للتأثير على الأسعار، لا سيما خلال الأزمة النفطية العالمية الأخيرة. كما يجري اليوم الحديث عن إقامة سوق دولي مشترك للغاز.
إذن يعيش العالم تحولاً في مراكز القوة الإقتصادية. فالتعاون الروسي الإيراني، لن يُساهم فقط في التأسيس لشراكةٍ حقيقية بين الطرفين. بل إن مستقبل الطاقة والتناغم الإستراتيجي بين موسكو وطهران، سيُساهم في تحويل المنافسة الى شراكة وهو ما يُعتبر النموذج الأول من نوعه في هذا المجال، بين الدول.