الوقت- على بعد عشرة أيام فقط من المؤتمر السابع لحركة فتح، الذي سيعقد في 29 نوفمبر الجاري بمدينة رام الله، يزداد المشهد الفلسطيني تعقيداً على الصعيدين الداخلي والخارجي على حد سواء.
داخلياً، وبعيداً عن الخلاف القائم بين حركتي فتح وحماس، تشتعل المواجهة بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس و عضو الحركة الفلسطينية المفصول محمد دحلان، لاسيّما بعد أن تحولت الضفة وغزة إلى ساحة حشد فتحاوي كبير قبيل المؤتمر. أحد المسؤولين الفلسطينيين قال عندما سئل عن تحركات دحلان هذه بان عباس يعتقد "أن نار حماس اهون عليه من جنة دحلان". وأما على الصعيد الخارجي فقد دخلت عدّة دول على خط الخلاف بين عباس ودحلان المدعوم من بعض الدول العربية، أبرزها الإمارات ومصر والسعودية.
لم تقتصر تطوّرات المشهد الخارجي على الامور الآنفة الذكر حيث يجري اليوم تقارب مصري مع حماس اتضحت معالمه جيّداً بعد المؤتمر الصحفي الأخير لعضو المكتب السياسي في حركة حماس محمود الزهار الذي أكّد أن السلطات المصرية ترغب بعقد لقاء قريب مع قيادة حركته، إلا أنه أوضح " أن الحركة ليست بصدد التحالف مع القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس".
لا نراهن على أي طرف تماماً كما أوضح الزهار، حينما قال أنه لا يوجد اختلاف بالنسبة لحركة حماس بين كل من عباس ودحلان، كونهما شريكين في برنامج "الرهان على تحقيق السلام مع إسرائيل وما يسمى عملية السلام"، ولكن لا ينتابنا أيّ شكّ بأن المرحلة تعد الأخطر نظراً للمتغيرات الإقليمية والدولية التي وضعت القضية الفلسطينية على الرفّ العربي، لاسيّما أن الحركة تمر اليوم بحالة تفكك وصراعات داخلية بلغت ذروتها في الأشهر الأخيرة، بينما يهدّد الجيش الإسرائيلي باحتلال الضفّة، وبالفعل نقلت صحيفة هآرتس العبرية الجمعة تقريراً جديداً أعدته قيادة الجيش الإسرائيلي، يوضح مواصلة الجيش استعداداته للجولة القتالية القادمة.
إلا أن عدم الرهان على المؤتمر السابع الذي يعد أعلى سلطة تشريعية في فتح؛ يقر القوانين والأنظمة واللوائح الحركية والبرامج السياسية، ويناقش تقارير اللجنة المركزية وقراراتها السابقة، كما ينتخب لجان الحركة التنفيذية، وعلى رأسها المجلس الثوري، الذي يتابع تنفيذ قرارات المؤتمر العام، لا يعني أبداً تركه دون مراقبة نظراً لتأثيره على مجريات القضيّة الفلسطينية، وهنا تجدر الإشار إلى النقاط التالية:
أولاً: تعيد بعض المصادر التقارب المصري مع حماس لدعم دحلان في العودة بقوّة إلى الساحة الفلسطينية، لاسيّما بعد ارتفاع أسهمه السياسيّة في المثلث المصري الإماراتي السعودي . ويرى مراقبون أن التقارب المفاجئ بين حركة حماس والقيادات المصرية، جاء على خلفية رفض محمود عباس التجاوب مع الاتفاق بين اللجنة الرباعية العربية التي تتكون من مصر والسعودية والأردن والإمارات، على مصالحته مع خصمه اللدود محمد دحلان، وتهيئته لخلافته. وبالتالي، في حال تنصيب دحلان ستقع القضية الفلسطينية أمام أزمة جديدة تفوق تلك التي تعاني منها اليوم نظراً لبروز خط عربي جديد يسعى للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
ثانياً: عمدت السعودية إلى إيقاف دعمها للسلطات الفلسطينية ماليًا، وفق ما أوضح مركز أورشليم، كذلك فعلت الإمارات، في حين أن دحلان يخطّط للعودة منافساً لعباس بإعمار غزة عبر الدعم الخليجي المالي، والمصري المتمثّل بفتح الحدود مع قطاع غزّة، وهذا ما يفسر التقارب المصري الحمساوي، وفق مراقبين.
ثالثاً: قد يتساءل البعض كيف لحماس أن ترد على خطوة التقارب المصرية، وهو تساؤل محق اجاب عنه القيادي في حركة حماس، الدكتور إسماعيل رضوان الذي أكد أن حركته معنية بإنجاح الرؤية المصرية لتخفيف الحصار عن قطاع غزة، داعيًا السلطات المصرية لفتح المعبر بشكل دائم ومتواصل قائلًا: "حماس معنية بعلاقات إيجابية وطبيعية ومتوازنة مع الجانب المصري لصالح الشعبين وقضيتنا، وحريصون على أمن واستقرار مصر وتطوير هذه العلاقة بما يخدم القضية الفلسطينية". إذاً، حماس تستخدم الموقف المصري لخدمة شعب غزّة دون أن تدعم أي طرف على حساب الآخر، خاصّة أنها دعمت مبادة حركة الجهاد الإسلامي لإعادة القضية الفلسطينية إلى محورها الرئيسي.
رابعاً: إن مبادرة "النقاط العشر" الجديدة والتي أطلقها الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور"رمضان عبد الله شلح" في الذكرى الـ 29 لانطلاقة الحركة، والتي تهدف ولإعادة القضية الفلسطينية إلى محورها الرئيسي، في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة، وتتضمن المبادرة إعلان الرئيس عباس إلغاء اتفاق "أوسلو"، وأن تعلن منظمة التحرير سحب الاعتراف بالکیان الإسرائيلي وأن يعاد بناء منظمة التحرير، وكذلك إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة، وصياغة برنامج وطني جديد وموحد، وإعداد استراتيجية جديدة شاملة على قاعدة التحلل من اتفاق "أوسلو"، بما ينهي وجود سلطتين وكيانين في غزة و رام الله، وينهي حالة الصدام القائمة بين برنامجين، أحدهما متمسك بالمقاومة ورافض للاحتلال والآخر يجرم المقاومة ويلاحقها بالشراكة مع الاحتلال والتنسيق الأمني، حسب المبادرة تعد حاجّة ملحّة اليوم، وتسمح بتحويل التهديد القائم إلى فرصة ثمينة تعيد البوصلة إلى وجهتها السابقة بدلاً من الاقتتال الداخلي.
ورغم ضيق الوقت حتى موعد انعقاد المؤتمر السابع لفتح، إلا أن الموقف الأسلم للفصائل الفلسطينية يكون من خلال نقطتين، الأولى دعم مبادرة الدكتور شلّح على نطاق واسع. والثانية، إضعاف أي طرف فلسطيني يراهن "على تحقيق السلام مع الکیان الإسرائيلي وما يسمى عملية السلام"، وفي حال وجد أكثر من طرف فلا بد من إضعاف الطرف الأقوى خدمة للقضية الفلسطينية. عباس هو الأقوى داخلياً، في حين أن دحلان هو الأقوى إقليميّاً، فهل سيعمد عباس إلى دعم "برنامج المقاومة" لإرضاء حماس والجهاد خشيةً من دحلان، عشرةً أيام قد تكون كافية للإجابة.